هل غيّرت قناة «الجزيرة» السياسة التحريرية التي اعتمدتها منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على غزّة، وقرّرت تخفيف لهجتها ومواكبتها للعدوان؟ سؤال يتردّد في الأوساط الإعلامية، خصوصاً مع تراجع القناة القطرية عن تغطية التطوّرات عند حدود لبنان الجنوبية، واجتزائها كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله السبت الماضي، ونقل مدير مكتبها في غزة وائل الدحدوح من شمال القطاع حيث المعارك الحامية إلى جنوبه. منذ عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، استعادت «الجزيرة» زخمها وشعبيتها بتغطيتها المكثّفة ومواكبتها المستمرّة للعدوان الإسرائيلي على غزة، في الوقت الذي كان فيه الإعلام الغربي شريكاً في المذبحة وممهّداً للإبادة الصهيونية من خلال ممارسة التضليل ونشر الأخبار الكاذبة المحرّضة على المحرقة واستهداف المواطنين الآمنين والمنشآت المدنية من مستشفيات وبنى تحتية ومدارس. من هنا أدّت «الجزيرة» دوراً محورياً على الجبهة الإعلامية، ولو أنّها ظلّت متمسّكة باستضافة مسؤولين وعسكريين صهاينة وفتح الهواء لهم لتبرير جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني!

(رشاد السامعي ــ اليمن)

لكن بعد دخول الحرب شهرها الثاني، قرّرت القناة في نهاية الأسبوع الماضي نقل مراسلها وائل الدحدوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه. الدحدوح الذي أضحى رمزاً لشعب الجبّارين بعبارته الشهيرة «معلش» رداً على استهداف الاحتلال عدداً من أفراد عائلته واستشهادهم، بات يحظى أيضاً بشعبية واسعة في فلسطين والعالم العربي، حتى لُقّب بـ«شخصية العام». في المقابل، تعاقدت القناة مع مراسل كـ«فريلانسر» (دوام حرّ)، لتولّي مهام تغطية الأحداث في شمال غزة. وكان الدحدوح وفريقه التقني ضمن قافلة المهجّرين قسراً الذين تركوا منازلهم أواخر الأسبوع الماضي، بعد تهديد العدو بقصفها. يومها، أطلّ الإعلامي قائلاً بأنّ «الخروج من الديار صعب جداً»، ليستمرّ الدحدوح بعمله ويتعالى على الوجع، ويطلّ بعد يومين من تهجيره من جنوب غزة لنقل الحرب من هناك.
في هذا السياق، فسّر بعضهم انتقال الدحدوح إلى جنوب غزة، بأنه جاء نتيجة ضغوط سياسية مارستها أميركا والعدو الإسرائيلي على قطر، بهدف إبعاد الدحدوح عن الواجهة، ومهدّدة إياه بالقتل. وتوقّفت الأخبار عند تبعات انتقال المراسل الذي كان يفضح جرائم العدو الإسرائيلي بالصوت والصورة. تلفت المعلومات لنا إلى أنّ تغيير مكان النقل المباشر للإعلامي الفلسطيني، يعود لأسباب عدة، أولها، الوضع النفسي والجسدي الذي يعانيه المراسل الفلسطيني الذي استشهد عدد من عائلته واشتداد القصف في الأيام الأخيرة في شمال قطاع غزة، ووصول بعض الشظايا إلى مكان النقل المباشر للقناة. وهذا ما صرّح به الدحدوح علناً في الأيام الأخيرة، قائلاً: «لا يوجد مكان آمن في كل غزة، القصف في كل مكان»!
برّرت عدم نقلها كلمة الأمين العام لحزب الله بتزامنها مع انعقاد القمة العربية


على الضفة نفسها، تشير المعلومات إلى أنّ إدارة «الجزيرة» وجدت أنه من الأفضل حماية مراسلها، تخوّفاً من تنفيذ العدو الإسرائيلي تهديده بالقتل. مع العلم أن الدحدوح رفض بداية انتقاله إلى جنوب غزة، ليعود ويقتنع بالفكرة لاحقاً حفاظاً على حياته، خصوصاً أنّ العدو وضع لائحة استهداف لعدد من الصحافيين الفلسطينيين الذين عملوا على فضح جرائمه ومجازره. ففي منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، استهدف العدو الإسرائيلي مجموعة من الصحافيين الذين كانوا متواجدين في منطقة عيتا الشعب (جنوب لبنان)، ما أدى إلى استشهاد عصام عبدالله مصوّر «رويترز» وجرح مراسلة «الجزيرة» كارمن جوخدار ومصوّرها إيلي براخيا، إلى جانب إصابة مجموعة من المصوّرين والمراسلين، حتى إنّ اسرائيل أعلنت مراراً عن نيتها استهداف الصحافيين الذين وصل عدد شهدائهم إلى خمسين.
في السياق نفسه، تبرّر المصادر عدم نقل «الجزيرة» لكلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله السبت الماضي، بشكل كامل، بتزامنها مع انعقاد القمة العربية والإسلامية الطارئة في السعودية، ليتضح أن هذه الخطوة جاءت نتيجة قرار داخلي في المحطة، بعدم إعطاء حيّز كبير للحدث اللبناني. مع ذلك، لا تنفي المصادر تأثّر القناة القطرية بالضغوط الأميركية والإسرائيلية التي يتعرّض لها فريق «الجزيرة». فمع بداية الحرب، وجّه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رسالة إلى رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، طالباً منه «تخفيف حدّة خطاب «الجزيرة» لأنها مليئة بالتحريض ضد إسرائيل». ويبدو أن تلك الضغوط تواصلت مع دخول الحرب شهرها الثاني، وتمثّلت في رسائل إسرائيلية وأميركية، طلبت من القائمين على «الجزيرة» تخفيف كثافة التغطية من غزة لصور أشلاء الضحايا والأطفال الشهداء المبتوري الأعضاء بفعل الإبادة النازية الجديدة. فالسياسة التي اتبعتها «الجزيرة» أسهمت في تغيير مزاج الرأي العام العالمي وانطلاق التظاهرات في العواصم الغربية تنديداً بمجازر إسرائيل بحق المدنيين. وتشير المعلومات إلى أنّ القناة لم ترضخ حتى اليوم لجميع الطلبات، لكنّها نفّذت جزءاً منها، فهل ترضخ «الجزيرة» بالكامل للأجندة الأميركية الإسرائيلية وتعدّل سياستها التحريرية تجاه غزة التي تواطأ عليها قادة «العالم الحرّ»؟