«ثاني أكبر قطعة أرض في القدس سيستولي عليها الاحتلال إنْ لم نحْمها»؛ نداء يطلقه أحد أبناء «مدرسة اليتيم العربي» في القدس، محمد المالكي، في وقت تتسارع وتيرة تهويد المدينة، وتتزايد الحيل الإسرائيلية للسيطرة على عقارات الفلسطينيين هناك. وفي هذا السياق، يتربّص الاحتلال بعقار المدرسة الذي يتعدّى الـ40 دونماً في بيت حنينا، ناوياً ضمّها إمّا إلى بلدية الاحتلال أو وزارة المعارف الإسرائيلية وتدريس المنهاج الإسرائيلي فيها.

التسريب «ركب السكة»
بحسب القائمين على حماية المدرسة، فإن إسرائيل اليوم أقرب من أيّ وقت مضى من الاستيلاء على هذا العقار، الذي تضع عينها عليه منذ عام 1967، ولا تزال تعتبره عقاراً «لا يمكن تقديم معلومات عنه» (وثيقة الخريطة)، ما يعني أنها لم تعطِه صفة واضحة وتكفّ اليد عنه. ويتخوّف الأهالي اليوم من تسريب المدرسة التي تأسّست عام 1965 وتتبع جمعية «لجنة اليتيم العربي» الأردنية. وتنبع هذه المخاوف من طرح الجمعية رؤية جديدة تقضي بتحويل المدرسة إلى «مشروع استثماري»، وهو ما يحذر عضو «المجلس التنسيقي للتعليم في القدس»، زيد القيق، من أنه «سيؤدي إلى تغيير وضع المدرسة، لأن أيّ إجراء من هدم أو بناء أو ترميم يستلزم الحصول على رخصة من حارس أملاك الغائبين، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى الذهاب إلى محكمة إسرائيلية تأخذ قراراً بوضع اليد عليها».
أنقر على الصورة لتكبيرها

من جهته، ينبه عضو «هيئة الدفاع عن مدرسة اليتيم العربي»، محمد المالكي، إلى أن «المدرسة تعاني من عجز مالي وفساد داخلي يروّج له الاحتلال والجمعية في الأردن، ويمكن لهذه الثغرة أن تأتي بمسجل الشركات أو مسجل الجمعيات الإسرائيلية ليسيطر على المدرسة من باب تقديم المساعدات المالية وانتشالها من العجز». وممّا يعزّز هذا التوجّه، أن الجمعية كانت حوّلت اللجنة الفرعية التابعة لها في القدس إلى شركة تحمل اسم «شركة اليتيم العربي»، والتي استحصلت على ترخيص إسرائيلي عام 2020 وترأستها راية سبيتاني، وبدأت بإجراءات تحويل المدرسة وطرد المعلمين (وثيقة فصل المعلمين).
أنقر على الصورة لتكبيرها

عراك داخلي... ثغرة للتسريب
تتعالى الأصوات المتّهمة للجمعية بـ«عدم مبالاتها إلا بالجانب المالي من المشروع»، فيما المدرسة هي صرح وطني لم يبغِ الربح منذ تأسيسه، كما يرى المقدسيون. وفي هذا الإطار، يؤكد القيق أن «القدس هي أرض رباط، وليست للتجارة وجني المال، ويجب أن يعلم القائمون على الجمعية أن المشاريع الاستثمارية ليست لها منفعة في القدس». في المقابل، يردّ رئيس «جمعية اليتيم العربي» في الأردن، خالد كنعان، على تلك الاتهامات، بالتنبيه إلى نقطة «العجوزات المالية» التي قد تؤدي إلى إعاقة عمل المدرسة و«هي مسألة من الصعب إدارياً أن نتجاهلها»، مضيفاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن الجمعية تقدّم اقتراحاتها تحت مظلّة «إعادة هيكلة» لمعالجة العجوزات المالية، «معتمدةً على خبراء متخصّصين في دراسة واقع الحال». ويدافع بأنه «نتيجة التفحّص والدراسات، تشكّلت وقائع من بينها الحاجة الملحّة إلى تطوير البرامج التقنية الجيدة واستحداث الجديد منها، والأهمّ معالجة النزيف المالي بإغلاق برامج تدريبية كلاسيكية قديمة والاستثمار في برامج تطبيقية عصرية جديدة». لكن ورقة أطلقها الباحث في شؤون القدس، الدكتور خالد عودة الله، تؤكد أن «أصحاب القرار في الجمعية مفصولون عن تعقيدات الواقع المقدسي، والجمعية بحاجة إلى إعادة هيكلية إدارية»، مشدّداً على أن أيّ رؤية تطويرية «يجب أن تُبنى على رأي مهني ودراسة للأنظمة والقوانين والسياسات الإسرائيلية في القدس».
بدأت محاولات السيطرة على أرض المدرسة منذ احتلال القدس


مع ذلك، يتسلّح كنعان بحقيقة «تسجيل 160 طالباً سنوياً في المدرسة يتخرّج منهم 15 طالباً فقط»، ليبرّر التطوير بأنه حاجة ملحّة لعدم الوصول إلى إعلان «الإفلاس»، وهو ما بدأ من خلال فصل عدد من المعلّمين، وتقييد إجراءات التسجيل. إلّا أن إدارة المدرسة تعتقد أن الجمعية تقدّم معلومات مغلوطة عن نسبة النجاح، والتي تتخطّى بحسب الإدارة الـ60%. وإذ يلفت كنعان إلى أن «شركة لجنة اليتيم العربي تمّ إنشاؤها في القدس بهدف تأمين الحصول على ترخيص من المعارف لإدارة المدرسة»، فإن هذه النقطة هي ما يخيف المدافعين عن المدرسة، كونها تشكّل ثغرة للاحتلال للسيطرة عليها. وفي هذا الإطار، يحذر عودة الله من تصاعد الأزمة في حال استمرّت الجمعية في عدم الالتفات إلى الوضع القانوني «بالنظر إلى الحيثيات المتعلّقة بالوضع الحالي لتسجيل الجمعية وتعدّد الأجسام القانونية المنبثقة منها»، مشيراً إلى أن «هناك إشكاليات قانونية تتعلّق بالملكية ومسألة الاتّساق مع النظام الداخلي المحدّد لأهداف ونشاطات الجمعية، وكلّ واحدة من هذه الإشكاليات تُعتبر مدخلاً محتملاً لخطر التصفية من قبل مسجّل الجمعيات».


واستكمالاً لـ«التطوير» الذي قرّرته الجمعية، وقّعت الأخيرة مع «بنك فلسطين» (وثيقة بنك فلسطين) اتفاقية تعاون تستمرّ 3 سنوات، وبموجبها سيتمّ إيقاف عمل المدرسة تحت مسمّى تطوير التخصّصات القائمة واستحداث تخصّصات جديدة تحتاج إليها سوق العمل.
وإذ لا تعارض القوى المقدسية المدافعة عن العقار الرغبة في هذا التطوير، فهي قدّمت مقترحات لإتمامه من دون المساس بالمدرسة، على رأسها تحويل أرضها إلى وقف تابع لدائرة الأوقاف الفلسطينية، بما يمنع الاحتلال من السيطرة عليها. وفي هذا الإطار، أشار مدير عام الأوقاف وشؤون المسجد الأقصى، الشيخ عزام الخطيب، إلى أن الأوقاف مستعدّة لتسجيل المدرسة كأرض، لكن الجمعية «لم تطلب ذلك».
أنقر على الصورة لتكبيرها

تاريخ من محاولات السيطرة
بدأت محاولات السيطرة على أرض المدرسة منذ احتلال القدس، بداية من طلب الحاكم العسكري الإسرائيلي الاستيلاء عليها بحسب القانون 1907 الذي يخوّل إسرائيل السيطرة على المباني التابعة للحكومة الأردنية. خاض مديرها آنذاك، حسن القيق، صراعاً انتصر فيه من خلال إثباته أن المدرسة تتبع لجمعية أردنية خاصة وليست جمعية حكومية (وثيقة حسن القيق). إلّا أنه في عام 2006، رحل «المدافع الشرس» عن المدرسة التي تشكّل نقطة قوّة على المستويَين الجغرافي والتاريخي في القدس، إذ تطلّ على رام الله من جهة وبلدات القدس من جهة أخرى، بالإضافة إلى قربها من مطار قلنديا، وهي تتوسّط مستوطنة «عطروت» الصناعية، ويتعامل معها الاحتلال على أنها جزء أساسي ومهمّ من المستوطنة يجب ضمّه. ويضاف إلى ما تَقدّم، أن الاحتلال يحاول تحويل مغارة إلى جانب المدرسة، هي من أكبر المغارات الفلسطينية، إلى منتزه، ويتحجّج بعدم إمكانية تنفيذ المشروع بسبب قرب المغارة من «مؤسّسة تعليمية عربية» يتواجد فيها مئات الطلاب العرب. كذلك، تُعتبر المدرسة امتداداً لأخرى تحمل الاسم نفسه في حيفا تأسّست عام 1940 وضاعت مع النكبة. كما تعدّ أكبر مدرسة صناعية في القدس، وهي مجهّزة بأدوات وآلات مموّلة من برنامج حكومي ألماني لأكثر من 10 سنوات.