حتى ساعة متأخّرة من ليل أمس، راوحت العملية العسكرية الإسرائيلية في مواجهة حركة «الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة، مكانها، على رغم التطوّرات اللافتة في سياقاتها. وبدا المشهد متجاذباً ما بين حالتَين: وقف لإطلاق نار ينهي العدوان عبر «تسوية» تراعي شروط «الجهاد» التي رفضت أيّ تهدئة لا تلبّي مطالبها، وتدحرج إلى مواجهة أوسع قد تجذب إليها أطرافاً أخرى في القطاع وخارجه، بما لا تريده وتنكفئ عنه إسرائيل. وكما كانت حساباتها لدى اتّخاذها قرار اغتيال قادة «الجهاد» والذي فجّر المواجهة الحالية، بدت تل أبيب في مسارعتها إلى طلب «الوساطات» لإنهاء هذه المواجهة، واقعةٍ تحت ضغط مزيج من ضرورات ومصالح تتعلّق بـ»إسرائيل الدولة»، وأخرى شخصية لقادة سياسيين وأمنيين، في إطار الابتزاز والمزايدات السياسية. والنتيجة، إلى الآن، موقف إسرائيلي متردّد، يسعى لتحقيق النتيجة من دون دفع أثمانها، مع مجازفة في التسويف والعرقلة قد تتسبّب باستعار المواجهة وتمدّدها، على رغم محاولات إنهاء العملية بأقلّ الخسائر الممكنة وسريعاً، وبسلّة مكاسب معتدّ بها، باتت أمس محلّ شكّ كبير جداً.وإذا كان من المبكر الحديث عن نتائج المواجهة، وكذلك معادلات اليوم الذي يليها، إلّا أن هناك قدراً متيقّناً من النتائج المتوقّعة بالنسبة للفلسطينيين، وإن كان الثمن المدفوع من قِبَلهم لتحقيقها كبيراً. كما ثمّة إشكاليات كبرى على المقلب الإسرائيلي، ستكون عنواناً رئيساً للمرحلة المقبلة:
1 - هل استعادت إسرائيل مستوى ردعها المطلوب تجاه قطاع غزة، وتحديداً تجاه «الجهاد»؟ وهل باتت الحركة مقيّدة اليد ومنكفئة عن المبادرة والردّ على الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة والقدس المحتلّتَين؟
2- هل ستكون إسرائيل مطلقة اليد في اعتداءاتها المستقبلية نتيجة العملية العسكرية في القطاع، وغير مضطرّة للأخذ في الاعتبار، على طاولة اتّخاذ القرارات، ردّ فعل المقاومة على ما ستقوم به؟
3- إذا كان واحد من أهداف العدوان، هو ردع بقيّة الفصائل، وعلى رأسها حركة «حماس»، فهل تَحقّق هذا الهدف؟ أم أن استماتة إسرائيل في إبعاد الحركة تشي بأن ميزان الردع الذي استطاعت «حماس» إرساءه يفوق بمراتب ما كانت تعتقد الحركة أنها حقّقته في وجه العدو؟
4- إذا كانت كلّ إسرائيل، بجيشها ومؤسّساتها وجمهورها، عاجزة عن إخضاع «الجهاد»، الحركة التي تأتي في المرتبة الثانية تسليحاً وعديداً في أصغر الجبهات التي تشكّل تهديداً للكيان، فكيف بها أمام مواجهة شاملة مع قطاع غزة؟ بل كيف سيكون الأمر في مواجهة الجبهة الشمالية، وتحديداً «حزب الله»، حيث تهديده لا يقاس بتهديدات غزة؟ وماذا أيضاً إن اشتركت الجبهتان في المواجهة نفسها؟
أهمّ ما أُنجز إلى الآن، أيّاً كانت كيفية إخراجه شكلاً من ناحية إسرائيل، هو تثبيت معادلة ربط الساحات


5- مهما كانت نتيجة المواجهة الحالية، وبغضّ النظر عمّا سيتضمّنه اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبَين، أو بين أكثر من جانبَين إن تطوّرت الجولة إلى معركة شاملة تُشرك «حماس» نفسها فيها طواعية أو قسراً، يمكن القول إن شروط «الجهاد» لإنهاء المواجهة بوتيرتها ومستواها الحاليَين، قد تحقّقت بالفعل: وقف سياسة الاغتيالات، إعادة جثمان الشهيد خضر عدنان، وكذلك تعديل مسار أو إلغاء «مسيرة الأعلام» الاستفزازية في القدس المحتلة. إلّا أن أهمّ ما أُنجز إلى الآن، أيّاً كانت كيفية إخراجه شكلاً من ناحية إسرائيل، هو تثبيت معادلة ربط الساحات، والتي يُعدّ تهشيمها واحداً من أهمّ أهداف العدوان.
وعلى رغم تعقّد المحادثات غير المباشرة بين الجانبين، خصوصاً بعد وقوع إصابات مباشرة في صفوف الإسرائيليين، إلّا أن الخاتمة مقدَّرة بين حدَّين: رضوخ غير معلن أو معلن لشروط «الجهاد» بعد وقف العدوان وإنهائه بمستوياته الحالية؛ أو النتيجة نفسها وأكثر، ولكن بعد اتّساع المواجهة إلى ما هو أشمل وأوسع منها، إيذاءً وأضراراً ومدّة زمنية، يتعذّر من الآن تقديرها.