أُطلق سراح فوساكو شينغوبو، أحد مؤسِّسي «الجيش الأحمر الياباني» الأممي، السبت الماضي من سجنها في اليابان، قبل يومين بالضبط من مرور 50 عاماً على عملية مطار اللدّ التي نفّذها جيشها. وعلى رغم أن شينغوبو لم تكن حاضرة بنفسها خلال العملية، التي نفّذها ثلاثة فدائيين بينهم كوزو أوكوموتو، إلّا أنها تُعتبر العقل المدبّر للحادثة «الشنيعة» - بتعبير موقع «واي نت» العبري -، والتي أسفرت عن مقتل 24 شخصاً بينهم سبعة إسرائيليين وعدد من الأجانب، إضافة إلى جرح أكثر من 70 آخرين. وبالعودة إلى تفاصيل العملية التي وقعت في الـ30 من أيار 1972، فإن طائرة تابعة لخطوط «إير فرانس»، قادمة من باريس، مروراً بروما، حيث استقلّها ثلاثة فدائيين يابانيين من «الجيش الأحمر»، التابع لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، هبطت في حدود الساعة العاشرة في مطار اللد. وعلى إثر ذلك، عبَر الفدائيون مراكز ختم الجوازات، ثمّ بدأوا بإطلاق النار في كلّ اتجاه، ليستشهد اثنان منهم، ويصاب أوكوموتو قبل اعتقاله على يد قوات أمن العدو. وفي أعقاب إطلاق سراح شينغوبو (76 عاماً)، ادّعت وسائل إعلام عبرية أن «قيصرة الإرهاب اعتذرت» عن فعلها، بقولها إنها «ألحقت ضرراً بأشخاص أبرياء. كان ذلك في زمن مختلف... أريد الاعتذار من أعماق قلبي». غير أن مصادر مقرّبة من مؤسّسة «الجيش الأحمر» أوضحت، لـ«الأخبار»، أن اعتذار «مريم» (الاسم الحركي لفوساكو) «قد يكون بشأن الضحايا غير الإسرائيليين، فطوال أعوام طويلة لم تغيّر السيدة اليابانية موقفها من القضية التي دافعت عنها، ولو أنها كانت ترغب في الاعتذار لاعتذرت عند تسليم السلطات اللبنانية، اليابان، فوساكو ورفاقها». وعلى أيّ حال شكّل نيل شينغوبو حرّيتها بعد 20 عاماً من الاعتقال، مثار غضب للإسرائيليين، وخصوصاً «أولئك الناجين من العملية»، أو أقرباء مَن قُتلوا فيها، ومن بين هؤلاء نجل أحد أهم العلماء الإسرائيليين، أهرون كتسير، الذي هو أيضاً شقيق أفرايم كتسير الذي انتُخب بعد عام من الهجوم رئيساً للكيان.
ادّعت وسائل إعلام عبرية أن «قيصرة الإرهاب اعتذرت» عن فعلها


وقال أفراهام أهرون كتسير، وهو عالم فيزيائي في جامعة تل أبيب، لـ«واي نت»، مستذكراً العملية: «لقد وصلْت إلى المطار لاستقبال أبي (أهرون)، الذي كان عائداً من جولة في أوروبا قدّم فيها المحاضرات... لقد قُتل أمام عيني». وأضاف: «في ذلك اليوم، كان عمري 31 عاماً، أخذت أمي وذهبنا إلى المطار لاستقبال أبي. وفي ذلك الوقت، كان يمكن رؤية المسافرين وهم يتسلّمون حقائبهم من نوافذ في داخل قاعة الاستقبال في المطار. وبينما كنت أقف وأمي بالقرب من النافذة، رأيت أبي، وفي ثانيتَين فقط بدأ الزجاج - حيث نقف - يتشظّى. فهمت أننا نتعرّض لإطلاق نار، أصيبت أمي بفعل الزجاج المتطاير، وقُتل أشخاص كُثر من دون أن يفهموا ما الذي حصل». وتابع: «لا أعرف كم من الوقت ظلّوا يطلقون النار، حوالي دقيقة أظن. وعندما حلّ الصمت، ركضت باتجاه قاعة المسافرين ورأيت أجساداً ملقاة على الأرض، كان أبي من بينهم. لقد أصبْت بصدمة. ولاحقاً فهمْت أن الحظّ السيّئ أدّى إلى مقتل أبي، إذ إن موظّفة ختم الجوازات، والتي كانت تعرفه بسبب كثرة أسفاره، طلبَت منه أن يتقدّم إلى بداية الطابور، وفي خلال ذلك لم ينجح في الهرب، وقُتل». وأشار إلى أنه بالرغم من مرور 50 سنة على الحادثة، غير أن «الصدمة النفسية والألم لا يزالان قائمَين... هذا الأمر لا يتركني أبداً. أَذكر جنازة أبي، فيها حضر بن غوريون (أول رئيس وزراء إسرائيلي) ورثاه قائلاً لم ألتقِ في حياتي مع شخص مثله (أهرون). كما حضر الجنازة سفير اليابان وزوجته، وبعد ذلك زارانا في منزلنا واعتذرا باسم الشعب الياباني. بنظري هذا شيء جميل، فليس من الصواب اتّهام شعب كامل بالإرهاب لمجرّد قيام أشخاص منفردين منه بأعمال إرهابية». ورأى أن «فوساكو شينغويبو كانت تستحقّ أن تُسجن مدى الحياة»، وأضاف: «لقد تحرّرت، وهذا الأمر لا يعجبني. ومن الصعب أيضاً تقبّل اعتذارها، فأنا أرى أنه اعتذار مزيّف لكونها على مدى أعوام طويلة جنّدت اليابانيين في جيشها».
أمّا راحيل تسوكرمان-ليفي (74 عاماً)، والتي كانت في حينه موظّفة مسؤولة عن استقبال الشخصيات المهمّة المسافرة على متن «إل عال»، فقالت: «في ذلك المساء، كان عليّ استقبال مسافري الدرجة العليا، وبينهم بروفيسور أهرون كتسير، ورئيس البوندستاغ الألماني. طلب مني ربّ العمل استقبال ثلاث شخصيات أتت على متن إير فرانس، دقائق قليلة قبل أن تهبط إل عال. وبالفعل، رافقت هؤلاء إلى طابو ختم جوازات السفر، بينما كان ثلاثة يابانيين يقفون بجانبنا، وعندئذ تساءلت ما الذي جاء بهؤلاء اليابانيين إلينا؟ طوال فترة عملي في المطار لم أرَ يابانيين يزوروننا. وعندما انتهيت، ذهبت لاستقبال الشخصيات التي قدِمت على متن إل عال». وتابعت: «ظننت أن رئيس البوندستاغ الألماني لم يصل بعد؛ إذ لم يكن هناك مستقبِلون ولا حتى ممثّلون رسميون. وصلت إلى الطائرة، فنزل منها بروفيسور كتسير، ثمّ اصطحبته مشياً على الأقدام إلى قاعة الوصول ثمّ وقفنا في الطابور. وخلال ذلك قلت إنه على الأرجح وصل الألماني، وعليّ الذهاب لاستقباله. طلبت الإذن من كتسير ومشيْت بضع خطوات، وعندئذ بدأ إطلاق النار، لكن موظّفاً في المطار رمى بي تحت أحد المكاتب... وهكذا أنقذ حياتي». وتصِف ليفي ما حصل بالقول: «كانت هناك صرخات، وفجأة سمعنا حشرجة الموت. استلقيْت تحت المكتب، وبعد دقائق ركضت إلى أحد المكاتب الأخرى لكي أتّصل بأهلي وأقاربي وأخبرهم بأنني ما زلت على قيد الحياة... رأيت كلّ شيء ولكن عقلي لم يكن يستوعب». وأشارت إلى أن ما حدث «غيّر عالم الطيران، وكل ما عرفه الناس عن هذا العالم من قبْل». وأضافت أن «على الناس أن يتذكّروا ما حدث، ومن كان هؤلاء الأشخاص. إنني أجرّ معي ما حدث منذ 50 عاماً. لم يتحدّث أيّ أحد معي عمّا جرى. بعد يوم من وقوع العملية، ذهبت أنا وزوجي إلى المطار، لم تكن هناك قطرة دم واحدة، كلّ شيء كان نظيفاً وكأن أمراً لم يحدث». ورأت أنه «كان من الأجدر أن تبقى فوساكو شينغوبو في السجن، وألّا ترى النور إطلاقاً».