دأب معظم الموحّدين في بلاد الشام على رفع صورة سلطان الأطرش في المناسبات الوطنية والدينية. وصورة سلطان الأطرش موجودة في بيوت معظم الموحّدين في بلاد الشام، إنْ لم أقل جميعها! بل في بيوت بلاد الشام، مِن طوائف ومذاهب أخرى. فهو قائدٌ وطني، يعتزّ به كلّ الذين يقفون ضد الاستعمار بأشكاله كافة، ومع التحرّر من نير الاستعمار.من خلال تاريخه الوطني المشرِّف: من الكفاح ضد الاحتلال التركي؛ إلى ثورته التي أطلقها ضد الانتداب الفرنسي، في تموز 1925، واستمرّت، حسب أرشيفه الذي قمتُ بتحقيقه ونشره في دار أبعاد في بيروت في خمسة أجزاء (المذكّرات الحقيقية لـِ سلطان باشا الأطرش)، لمدة اثنتي عشرة سنة. إلى مساندته لثورة فلسطين 1936، بتهريب ما تبقّى لديه من سلاح، من منفاه في الكرك إلى الداخل الفلسطيني، مع المجاهد شكيب وهّاب. إلى تشجيعه لشباب جبل العرب سنة 1948، من أجل التطوّع في جيش الإنقاذ، بقيادة المجاهد فوزي القاوقجي، وقد استشهد منهم حوالى مئة شاب، ليضمّهم تراب فلسطين الحبيبة الحاني. إلى كتابته لخواطر سنة 1961 (موجودة ضمن أرشيفه: الوثيقة الرقم 770)، يؤكّد فيها على أهمية حرّية فلسطين من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، إذ يقول:
«قالوا إننا قطفنا ثمرة جهادنا، ثمرة تلك الشجرة التي جدّلنا ترابها بدمانا. كلا، إنّ هذه الثمرة لم تعقد بعدُ؛ إنّ جهادنا لا يزال في دور الزهرة ولم يصبح بعدُ ثمرة، لأننا لا نريد قطفها ونحن مشتركون كلّنا كعرب.
أبناء الثورة وصغار الصحراء، هكذا نذرنا أنفسنا لنكون قرابين تضحّي على مذبح العروبة.
لن تثمر ما دامت أغصانها متلبّسة بالحشرات الفتّاكة... لن تثمر حتى يتعالى صوت فلسطين بالحرية وأنْ يزول شبح المطامع عن العراق ومصر وشرقي الأردن. فبعد ذا، يا حبذا ثمراً ناضجاً شهيّاً، رمزاً لأجيال حملوا مشعل الحضارة، ولن يخبو نوره بعد الآن».
إلى سخطه على الحكام العرب الذين لم يبذلوا ما في مقدرتهم لتحرير فلسطين من الصهاينة، وهو على فراش المرض، قبل رحيله بأشهر معدودة في آذار 1982. إلى دعوته الشباب الموحّدين في فلسطين إلى رفض التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال، وتالياً، تعبيره صراحة عن رفضه التام لمحاربتهم أهلهم الفلسطينيين في صفوف جيش الاحتلال. وبناءً على دعوته تلك وعلى تكرار هذه الدعوة من منصور سلطان الأطرش في مضافة سلطان في القريّا، أمام وفد كبير من فلسطين والجولان المحتلّين، من مشايخ وغيرهم، من الموحّدين في زيارتهم للقريّا في عام 2001، وقد كان من بين هؤلاء الزوّار شاعر المقاومة سميح القاسم، رحمه الله.
وقد استجاب إلى هذه الدعوات العلنية المتكرّرة، والتي خرجتْ من مضافة سلطان الأطرش، الكثير من شباب الموحّدين الفلسطينيين، وهم يُعَدّون بالآلاف!
لقد كانت هذه الدعوة واضحة، فمن استجاب إليها، فهو يسير على نهج سلطان الأطرش الوطني في مقاومة الاستعمار، لكن، من لم يستجبْ لها، واستمرّ في خدمة جيش الاحتلال الصهيوني، فهو لا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد، بالنهج الوطني الواضح لسلطان الأطرش.
وتالياً: لا يُرضي سلطان الأطرش، ولا إرثه الوطني وما يرمز إليه، ولا أهل بيته ولا تاريخ جبل العرب الوطني، رفعُ صورته في مناسبة تشييع جندي من الموحّدين، ساهم في الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني ضد أهلنا في غزة، وفي كل فلسطين.
ونحن نجدّد الدعوة لرفض العمل تحت راية جيش الاحتلال لكل العرب الفلسطينيين من الطوائف والمذاهب كافة. فسيرورة التاريخ تؤكّد زوال الاستعمار، طال الزمن أم قصُر. ونحن نرى تحرير فلسطين قد أصبح أقرب من أي يوم مضى!

* كاتبة ومترجمة