اليوم، تحاول الصين أن تجعل من عاصمتها بكين مركزاً لأكبر مدينة خارقة (سوبر سيتي) في العالم باسم جينغ جين جي تشمل ثلاث مقاطعات وتحوي مئة وثلاثين مليون نسمة، وهذا أكثر من ستة أضعاف تعداد السكان في ولاية نيويورك.الصين تعزّز حاضرها... باستعادة مجدها الماضي
سيتمّ دمج مقاطعات بكين، خبي وتيانجين من خلال شبكات اتصال متطوّرة، سكك حديد وطرق سريعة أفضل كيفاً وكمّاً. قد تكون هذه المساعي مصغّرة وضئيلة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الخطة الأممية التي أعلنت عنها الصين في السنوات الأخيرة، والتي من شأنها إعادة إحياء «طريق الحرير» القديم الذي يعود تاريخه إلى ما قبل القرن الثاني قبل الميلاد، وهو عبارة عن مجموعة سُبل مترابطة تسلكها القوافل، بهدف نقل البضائع التجارية بين الصين و«العالم القديم»، وبخاصة آسيا الوسطى وبلاد فارس والعرب وآسيا الصُغرى وأوروبا.
وكان من أهمّ هذه البضائع التي حملها الطريق: الحرير والخزف والزجاج والأحجار الكريمة والتوابل والعطور والعقاقير الطبية. وبشأن طريق الحرير البحري، فهو مجموعة الطرق التجارية البحرية التي ازدهرت متزامنة تقريباً مع طريق الحرير البري، وكانت تربط بين الصين ومناطق في (الخليج) وآسيا وأفريقيا. تشمل مبادرة «الحزام والطريق» (الاسم الجديد لطريق الحرير) أكثر من 60 دولة في قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، بثقل سكانيّ يبلغ مُجتمعاً نحو 4.4 مليار نسمة، أي ما يعادل 63% من سكان العالم، ويبلغ حجم اقتصاداتها 21 تريليون دولار، أي 29% من الاقتصاد العالمي الحالي.

إنجازات الصين... كمؤشّر على استحالة التهميش
الحقيقة المُستخلصة: لم يعد بالإمكان تهميش دور الصين في اعتباراتنا المستقبلية بالنسبة إلى المنطقة، حتى لو أردنا الأخذ بالسردية الرسمية لبكين التي تؤكّد حياد الدور الصيني تجاه الصراعات الداخلية والخارجية للدول الأخرى، باعتبار أنها تسعى اتجاه علاقات الشراكة مع جميع الأطراف بديلاً عن القسر العسكري التي تمارسه الولايات المتّحدة الأميركية.
ووجب التنويه إلى أن ذلك لا يعني أن يكون تأثيرها سطحياً أو «اقتصادياً» بحتاً كما يدعي بعض المُبالغين بقدرة أميركا العسكرية والتكنولوجية. ولا ننكر أن «الإمبراطورية اليانكية» ما زالت في الصدارة، ولكن علينا أن نحفظ للصين حقّ الاعتراف بالتطوّر الذي حقّقته اقتصادياً وخاصة في تلك المجالات التي تهدّد ديمومة الهيمنة الأميركية.
تشمل مبادرة «الحزام والطريق» أكثر من 60 دولة في قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا


تخيّلوا أن دولة واحدة استطاعت في الثلاثين سنة الماضية خفض نسبة المواطنين القابعين تحت خط الفقر من 85% إلى 15% أي ما يقارب 600 مليون نسمة، ورفع نسبة إنتاجها من إجمالي الناتج العالمي إلى 20% بعد أن كانت 4% سابقاً. نعم إنها الصين التي حقّقت ارتفاع 5% في إجمالي الناتج المحلي في عشر سنوات كمعدّل زمني، لتكون معجزة اقتصادية لم تحققها أية إمبراطورية أخرى في تاريخ الإنسانية.

ما الذي يخيف أميركا من صعود الصين.. تكنولوجياً واقتصادياً؟
على كل حال، ليس هذا كلّه ما يهدد الهيمنة الأميركية، فالأغلوطة النظرية الشائعة في تمعّن موازين القوى العالمية، أن تعتبر العجز التجاري الأميركي أمام الصين، الدين العام أو إنفاقها العسكري الضخم هي المؤثرات الأكبر على الهيمنة.. لا، واقعياً، وحسب ما يوضح المؤرّخ البريطاني آدم تووز في جامعة كولومبيا، فإنّ النسب المرتفعة من الإيرادات في السلع الاستهلاكية بقدر معين، هو أمرٌ مطلوبٌ للحفاظ على النفوذ الاقتصادي والجيو-سياسي من خلال ترصين الاعتماد على طلب السوق الأميركي الضخم. وهذه كانت خلاصة سياسات إدارة باراك أوباما السابقة وقبله بوش الابن وكلينتون في احتواء التقدم الصيني، ويبدو مع الأيام أنها تثبت رصانتها أمام خطوات ترامب البلهاء التي تتمحور حول الانعزالية والغرور المُطلقَين. وفي حالة مشابهة، يعتبر تووز أن الدَّين العام هو نقطة قوة وليس ضعفاً كما يعتقد كثيرون، فالولايات المتحدة تدين للدول الأخرى بالعملة التي تطبعها وهي العملة الأقوى في العالم من خلالها يتمّ شراء مصادر الطاقة الأهم، غير أنها تشكل المخزون الأكبر من أموال الطغمة من أباطرة المال في العالم. وحتى الإنفاق العسكري الذي يهوّل الجميع من ضخامته فهو لا يزيد عن 3-4% من إجمالي الناتج المحلي الذي يذهب معظمه كأرباح أو إنفاق عام.

التكنولوجيا.. صانعة الإمبراطوريات؟
في العالم الحديث، العامل المؤثّر الأساسي في سقوط أو بزوغ إمبراطورية، هو التكنولوجيا، وخاصة الحربية منها سواء كانت البرية، البحرية أو تكنولوجيا الفضاء cyber space، فالنزاعات الكبرى بين الدول العظمى لم تعد تحدث في عقر دارها، بل أصبحت تأخذ مواقع بحرية وفضائية، وهنا يكمن القلق الأميركي من العلاقة المتنامية بين الصين وإسرائيل، في الوقت الذي أضحت فيه الأخيرة مركزاً مهمّاً لعدة قطاعات تكنولوجية أهمها: العسكرية، الزراعية الطبية، الأمن الإلكتروني والمراقبة، الذكاء الافتراضي Artificial intelligence والـ big data.
سنجد هنا أن هذه العلاقة لطالما كانت مؤرّقة للجانب الأميركي منذ ولادتها في خمسينيات القرن الماضي، وهذا يفسّر التهديد الذي وجّهته إدارة ترامب للإسرائيليين في نهاية شهر آذار/ مارس المنصرم، بتخفيف العلاقات الأمنية إذا ما لم تقطع الأخيرة علاقتها بالصين. من خلال التركيز على أهم النقاط في الدراسة التي قامت بها الخلية الفكرية «راند» RAND بطلب من حكومة الولايات المتحدة، سنحاول توضيح مواضع وتخوم القلق الأميركي من هذه العلاقة.

تاريخ العلاقة الصينية الإسرائيلية
يعود بنا تاريخ هذا الوصال إلى سنة 1950 عندما كانت الدولة الصهيونية أول من اعترف بشرعية جمهورية الصين الشعبية في الشرق الأوسط والمعسكر الغربي الرأسمالي. إن اعتماد إسرائيل الثقيل على الدعم الأميركي، والحادثة التي تزعم أن أطباء يهوداً في قصر الكرملن حاولوا اغتيال الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين في سنة 1953، أحالت هذه العلاقة المتذبذبة من المخاض إلى الفشل، فكما مشت الصين على خطى السوفييت بقطع العلاقة، لم تجرؤ الدولة العبرية على إعادتها نتيجة للضغوط الأميركية.
انقطعت العلاقة الرسمية في الأعوام العشرين التي خلت - تم خلالها تسليح وتدريب صيني لعناصر «منظمة التحرير الفلسطينية»- لتعود مجدّداً بشكل حذر في أوائل السبعينيات حين دعمت إسرائيل المبادرة الصينية لتحقيق العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وافتتحت سفارة للكيان الصهيوني في بكين بعدما اقتصر في السابق على مكتب تمثيليّ شرفي لا أكثر.
وعقب رحيل الزعيم الصيني ماو زيدونغ في الفترة نفسها التي شهد العالم العربي فيها السلام المزعوم بين مصر وإسرائيل، وظهور ما عُرف بـ«القيادة الإصلاحية» تحت قيادة دينغ شياو بينغ، فإن تلك الحقبة شهدت ازدهاراً في العلاقات بين الطرفَين حتى أضحت رسمية في عام 1992. ومع أن الدولة الصينية أبقت على شرطها الذي ينصّ على ضرورة إنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967 المسلوبة، إلّا أن الأعوام العشرين الماضية التي أعقبت اتفاقية كامب ديفيد، شهدت 60 تبادلاً تكنولوجياً ما بين الدولتين بقيمة تقارب 2 بليون دولار، شملت تطوير الدبابات، نظام الرؤية الليلي، أنظمة حروب إلكترونية والحروب الجوية الحربية، بالإضافة إلى تزويد الصين بصواريخ البايثون (3 air-air) عوضاً عن الطائرات المسيرة. كل هذه التبادلات كانت سريّة حتى إن الإسرائيليين كانوا يطيرون إلى الصين بوثائق سفر أجنبية كي يتم التستر على هذا النوع من الزيارات، إلى أن انتقلت العلاقة إلى المرحلة الرسمية عام 1992.
حتى أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، طغى العسكري على معظم التبادل التكنولوجي بين بيكن وتل أبيب.. إلى أن رمت الولايات المتحدة بثقلها السياسي على هذه البنية من التبادل بموازاة ممارستها ضغطاً هائلاً على الكيان الصهيوني لإلغاء صفقتَي سلاح تُزوّد الصين بموجبهما بنظام «فالكون»؛ رادار متطوّر على طائرات المراقبة، وطائرة مسيرة باسم «هاربي». علماً أن الصفقة الثانية تسببت باستثناء إسرائيل من البرنامج الحربي الجوي المشترك (F-35) والذي شمل كلّاً من الولايات المتحدة، تركيا، بريطانيا، إيطاليا، أستراليا، هولندا والحلفاء لهذه الدول.
تأثير التدخل الأميركي أفرغ هذا الوصال من التبادل العسكري بين الصين والكيان، وهذا ما جعل البعض يعتقد أنه استحال اقتصادياً بحتاً، ولكنّنا من قرائتنا للبحث الاستقصائي لشبكة «راند»، سنعرف أن لهذا الوصال أبعاداً سياسية تؤرق الجانبَين الأميركي والإسرائيلي معاً.

طبيعة العلاقة الصينية الإسرائيلية
عوامل مشتركة عديدة تجمع الطرفين بغضّ النظر عن الفرق الهائل في المساحة الجغرافية وعدد السكان؛ الصين من جهة تريد الاستمرار في تسلّق جبل الهيمنة العالمية وهي على يقين أنها لن تصل إلى ذاك دون الاجتياز الأميركي والتفوق عليه في سبل الحرب والتكنولوجيا، وكما وضحنا سابقاً، إسرائيل هي مدخل لكلّ ذلك، عوضاً عن أنها جزء مهم من مبادرة «الحزام والطريق»، حيث تعدّ مدخلاً للشرق الأوسط.
في ذات الحين، تقتنص إسرائيل فرصة جيدة بإمكانية توسيع أسواقها التصديرية خارج نطاق أميركا الشمالية وأوروبا، خاصة أن الاتحاد الأوروبي بدأ يضيق على الجانب الإسرائيلي تزامناً مع ارتفاع سطوة حركة المقاطعة (BDS)، ما قد يفسّر الحظر الذي فرضته الحكومة الألمانية على هذه الحركة، بعيداً عن الكلاسيكيات النظرية التي تتحدّث عن حساسية الألمان من الهولوكوست.
وحسب تقرير «راند»، وجب أن يكون لدى الإدارتين الأميركية والإسرائيلية مواضع رئيسية للقلق من هذه الشراكة التي تزداد صلابة يوماً بعد يوم. موقع القلق الأول يتعلّق بالعلاقات الجيوسياسية للصين مع دول وجهات الجوار المعادية لإسرائيل وأخطرها إيران، حيث أن الصين هي أكبر شريك تجاريّ ومستورد للنفط الإيراني في العالم، أضف أنها قد كانت في مرحلة ما أكبر مصدّر للسلاح، علماً أن روسيا في السنوات الأخيرة تسلّمت هذا الدور، خاصة بعد العقوبات الدولية التي فُرضت على إيران. يشير التقرير مستخدماً نظام الوحدات (Trend Indicator Value) إلى أن تصدير السلاح وصل إلى ذروته في عام 1993 بما يقدر بـ320 مليون وحدة، إلا أنه انخفض إلى 9 ملايين وحدة بين عامَي 2013-2015. هذا التذلل في نسبة الصادرات لا يجب أن يُنسينا كمّ التعاون العسكري بين البلدين منذ الثورة الإيرانية، حيث وفّرت الصين للدولة الإيرانية صواريخ باليستية تكتيكية، صواريخ مضادة للسفن "HY-2 Silkworm" وقوارب الهجوم السريعة «هاودونغ»، والجدير بالذكر أن التكنولوجيا الصينية مدموجة بكلّ من الصواريخ الإيرانية «أوغاب» «نازيات» و«شباب 3».
واحدة من المخاوف الأخرى هي الأفضلية أو النفوذ السياسي (political leverage) التي تكتسبها الصين بفعل هذا الترابط؛ في عام 2013 اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى حجب القضية المرفوعة على البنك الصيني الوطني من قِبل مواطنين إسرائيليين بتهمة غسيل أموال إيرانية موجّهة إلى أحزاب المقاومة الثلاثة: «حزب الله» و«حماس» و«الجهاد الاسلامي»، وذلك بعد ضغط من الرئيس الصيني على رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت بينجامين نتنياهو. يلحظ أيضاً أن موقع south Front كان قد نشر تقريراً عن الإمكانيات العسكرية لـ «حزب الله»، ذكر فيه احتمالية وجود صواريخ صينية من نوع C-802 بمدى يقدّر 120كم. الارتباط الاقتصادي هائل بين البلدين، فقد وصلت قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى إسرائيل إلى 8 بلايين دولار مسجلة قفزة معتبرة عن 12.8 مليون دولار في 1992. وفي عام 2015 كان هناك 700 براءة اختراع (patent) تكنولوجي إسرائيلي لدى الصين، عوضاً عن أن 40% من رأس المال الاستثماري أو المغامر (venture capital) في إسرائيل يأتي من الطرف الصيني. استهل تقرير «راند» تقييم 92 استثماراً صينياً في إسرائيل بقيمة مجموعها 12.9 بليون دولار موزّعة بشكل أساسي على ثلاثة قطاعات متمثّلة بمشاريع في البنية التحتية واستثمارات في الزراعة والتكنولوجيا.
عدا عن النفوذ السياسي الذي تحقّقه الصين، إلا أن مصدر القلق الأساسي هو التخوّف من عمليات التجسس والقرصنة، حيث كلّف التجسس الإلكتروني الصيني على الشركات الأميركية 360 بليون دولار في عام 2015 وحده، والخطر يتعاظم عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا العسكرية، فحسب ما أقرّت شركة الأمن الإلكتروني (CyberESI) فقد رصدت محاولات من قراصنة «هاكرز» مشكوك بارتباطهم بالجيش الصيني الشعبي، حاولوا استهداف وسرقة معلومات حساسة عن تكنولوجيا صواريخ القبة الحديدية، بالإضافة إلى حقوق ملكية تتعلّق بتكنولوجيا عسكرية تخص ثلاث شركات سلاح أميركية: Elisara Group, Israel Aerospace Industries, Rafael Advance Defense Systems. ما يزيد التوتر هو الادعاءات بحق الحكومة الصينية بخصوص تبنّيها لسياسيات ملتبسة وغير واضحة بما يتعلّق بحقوق الملكية لبراءات الاختراع، غير أن شركات الإنترنت الصينية مطالبة بتزويد البيانات التي لديها للحكومة الصينية إذا كانت متوفرة على مزوّدات (servers) صينية.

علينا أن نستغل هذه التذبذبات في الموازين الدولية بشكل لا نكون فيه الضحية الأولى والأخيرة


الجنرال روبرت سبالدينغ في القوّات الجوية الأميركية في مقابلة له مع مقدّم برنامج American) Thought leaders)، يصف أن الإشكالية التي تواجه المستثمر الأميركي والرئيس دونالد ترامب في سياساته الانعزالية، هي أن «وول ستريت» تستثمر البلايين من الدولارات في شركات صينية مشكوك في دقة مستنداتها المالية، لتجلب نفس هذه الأسهم إلى السوق الأميركية مقابل دفعات رسوم تضخّ المزيد من الأرباح لـ«وول ستريت». هذا الارتباط المادي الذي يتحدث عنه الجنرال يجعل من طموحات ترامب في الفصل الاقتصادي عن الصين، حبراً على ورق لا أكثر، لأنه يوضح أن معظم هذه الشركات مرتبطة بشكل مباشر أو لا بالحكومة الصينية، وهذا ما تحاول أيضاً دراسة «راند» لفت الانتباه إليه محذّرة من إحدى عشرة مؤسسة من بين أربعين مؤسسة صينية وثمانين إسرائيلية متداخلة في الاستثمارات المشتركة داخل الدولة الصهيونية، لارتباطاتها الملتبسة بالحكومة الصينية خاصة ونشاطاتها تلك التي تؤثر على الأمن، الخصوصية والمراقبة. المثير للانتباه، أن الكثير من المدراء التنفيذيين لهذه المؤسسات إما أعضاء في مجلس الشعب أو كانوا يشغلون سابقاً مناصب حكومية مرموقة، وهذه الحالة تنطبق على الرئيس التنفيذي لشركة هواوي ومؤسسها زن تشانغ فاي عمل كمسؤول في أكاديمية هندسة المعلومات لدى الجيش الصيني. حتى شركات ضخمة أخرى تقبع في موقع نبض التكنولوجيا ألا وهي المدينة الأهم في العالم «وادي السيليكون»، مثل Ali Baba, Tencent, Baidu, كلّها تملك صلات قوية مع الحكومة الصينية، إذ لوحظ أن مدراءها رافقوا الزعيم الصيني شي جينغ بين في زيارته عام 2015 إلى الولايات المتحدة. تتعقد الأمور أكثر عندما نتحدث عن شركات اتصالات مثل ZTE, Xiaomi وهواوي؛ يزعم تقرير «راند» أن ZTE استطاعت الحصول على معدّات ثنائية الاستخدام (حربية وسلمية) وبيعها لإيران مع أن الشركة تنكر هذه الاتهامات.

معركة الشرائح والهواتف
من جانب آخر، حصلت Xiaomi على تمويل مباشر من الحكومة لإنتاج هاتفها الذكي الخاص بها، إضافة إلى عمليات بحث وتطوير تدّعي «وول سترييت جورنال» أن المنوط بها تطوير شرائحها الخاصة (semiconductor technology) مستغنية بذلك عن تكنولوجيا غوغل وآندرود الأميركيتين. الغريب في هذا الادّعاء هو أن شركة «هواوي» هي التي تريد أن تنتج شرائحها الخاصة HongMeng OS، فلا نرى الداعي لتنتج شريحة أخرى إلا إذا كانت الحكومة الصينية تريد خلق منافسة داخلية. التناحر الشديد على من ينتج الشرائح مسألة تعود إلى الثمانينيات من القرن الماضي، عندما حارب الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان وجود منافسة يابانية في هذا المجال.1 هناك نظريات تصف هذه الشرائح بثتائية الاستخدام أي إنها قد تستخدم في الأسلحة أيضاً، ربما لهذا السبب صنّفته إدارة ريغان كما تصنّفه اليوم إدارة ترامب اليوم بمسألة أمن قومي. بغض النظر عن هذه التأويلات، المهم في تكنولوجيا كهذه أنّها تدرّ أرباحاً ضخمة، تخلق ملايين الوظائف وتساهم أيضاً في نشر الهيمنة، وهذا ينطبق أيضاً على منافسة الشركات الأميركية على تكنولوجيا الـ5G، ولكن يبدو أن الجانب الأميركي تأخّر في هذه المسألة وخسر المعركة لأن الصين بالفعل بدأت بناء وتطبيق هذه التكنولوجيا في عدّة دول خاصة الأوروبية منها، مما أغضب الإدارة الأميركية لأن تكنولوجيا كهذه تعني توسيع رقعة الشبكات الإلكترونية من 10000/كم2 إلى 3ملايين/كم2 مما يعني أن الشركة المالكة سيكون لها قدرة التحكم بملايين البيانات حول العالم.
معضلة مشابهة تعتري مشاريع الإعمار والتطوير للبنى التحتية. يذكر أن هنالك خمسة مشاريع تتعلق بالأنفاق، سكك الحديد، والموانئ في مدينتي اسدود وحيفا التي بالإضافة إلى سكة الحديد التي ستربط مدينة إيلات بالمتوسط، تشكل جزءاً مهماً من مبادرة «الحزام والطريق» لربط الصين بأوروبا. الهلع الذي يصيب الإدارة الأميركية من مشروع الموانئ خاصة، القابع في حيفا، أنه يستخدم كقاعدة للبحرية الإسرائيلية وهو وجهة مستمرة للأسطول البحري الأميركي السادس، ولم يخفِ الأميرال المتقاعد في البحرية الأميركية جاري روغهيد تخوّفه من هذا المشروع مصرحاً بما مفاده أن موقع الميناء سيعطي الصينيين فرصة مراقبة تحركات السفن الأميركية، وقد تصل الأمور إلى كشف بعض المعدات وطريقة عملها عبر مراقبة أعمال الصيانة عوضاً عن التكنولوجبا المدموجة بالموانئ الجديدة، ستجعل المعلومات والأمن الإلكتروني عرضة للتجسس الصيني.
الميناء الآخر في مدينة اسدود يتم بناؤه أيضاً عن طريق شركة صينية حكومية مختصر اسمها (CHEC) فلها حسابات إضافية عن تلك الخاصة بالأولى، مع العلم أن التشابه موجود كون الميناء قريباً من قاعدة للبحرية الإسرائيلية، ما يضعها في موقع ضعف مخابراتي على غرار نظيرتها الأميركية. ولكن وجب التنويه إلى أن هذا الموقع منوط به مسائل جيو-استراتيجية لها تأثير في النفوذ الصيني التوسعي في المنطقة من أجل ترجمة السيطرة الاقتصادية إلى قوة سياسية، ما قد يجعل العلاقة غير متساوية بين الجانبين الصيني والإسرائيلي. ذات الشركة التي تجدّد ميناء اسدود، بنت موانئ غوادار في باكستان وميناء كولومبو في سريلانكا، حيث يمثل الأول موقعاً استراتيجياً بالنسبة إلى الصين لقربه من مضيق هرمز والذي يعتبر كمنبع لما يقارب 82% من واردات الصين من النفط الخام. وفي تشابك آخر، فإن الشركة الرئيسية (CCCC) والتابعة لها (CHEC) منخرطتان بعمليات عسكرية في بحر الصين الجنوبي، والذي آل في السنوات الأخيرة إلى نقطة تناحر بين الطرفين الصيني والأميركي بمساعدة حلفائه مثل الهند وفييتنام، لوفرة المصادر النفطية في تلك المنطقة الجغرافية.

بالمحصلة، أين نحن العرب من هذه العلاقة؟
أتذكر عندما قال الفيلسوف سلافوي جيجيك في مناظرته مع جوردان بيترسون، إن المرعب في النموذج الصيني، هو إدارته لأقوى اقتصاد رأسمالي من خلال الدمج ما بين الحكم السياسي الشمولي والسوق الحر، خارجاً عن حتمية تزاوج الليبرالية الاقتصادية بالديمقراطية السياسية.. هو أمر مرعب بالفعل فنحن نتعامل مع حزب حاكم يسمّي نفسه بالشيوعي ولكن الواقع يظهر أنه مرتبط بالمبادئ الكونفوشية أكثر بكثير من تلك الاشتراكية.
ولكن.. لندع الدول العظمى تقلق في كيفية المواجهة، في واقعنا العربي، علينا أن نستغلّ هذه التذبذبات في الموازين الدولية بشكل لا نكون فيه الضحية الأولى والأخيرة. فالحل يكمن في ما يصفه الأكاديمي في جامعة اليرموك الأردنية الدكتور وليد عبد الحي بالتمييز ما بين الأخلاق الفردية والسياسية.. بين عواطفنا ومبادئنا، وأخرى مصالح الدول.
أي أن نعرف آلية التعامل مع الصين التي تربطها علاقة متنامية مع الكيان الإسرائيلي، في الوقت الذي تواظب فيه بكين على علاقة مباشرة بإيران و «حزب الله»، وتساعد في إعادة إعمار سوريا كجزء من مبادرة «الحزام والطريق». من يعرف؟ قد تكون هذه العلاقة مع إسرائيل مصلحية ومحددة بمدى قصير من أجل أهداف معينة، تماماً كما كانت عليه العلاقة القوية بين الغرب الليبرالي والحاكمين الفاشيين، الإيطالي أندريا موسوليني والألماني أدولف هتلر ولكن لفترة قصيرة فقط.
* فلسطيني، طالب في جامعة «وولونغونغ» الأسترالية

المراجع:
Chris miller. 2019. Foreign Policy. [Online]. [9 July 2019]. Available from: https://foreignpolicy.com/2019/07/01/a-semiconducted-trade-war/
Youtubecom. 2019. YouTube. [Online]. [9 July 2019]. Available from: https://www.youtube.com/watch?v=gNE7VPtvfbI
Youtubecom. 2019. YouTube. [Online]. [9 July 2019]. Available from: https://www.youtube.com/watch?v=g7VIeykAxsE
Chan, A et al (2019). The Evolving Chines-Israeli Relationship. California: Rand Corporation.
Southfrontorg. 2017. Southfrontorg. [Online]. [9 July 2019]. Available from: https://southfront.org/hezbollah-capabilities-and-role-in-the-middle-east/
Tooze, A. 2019. Is this the end of the American century?. London Review of Books. 41(7), pp. 3-7.
Bell, D (2015). The China Model: Political Meritocracy and The Limits of Democracy. New Jersey: Princeton University Press
Timesofisraelcom. 2019. Timesofisraelcom. [Online]. [9 July 2019]. Available from: https://www.timesofisrael.com/trump-said-to-warn-pm-security-ties-could-suffer-due-to-israel-china-relations/
مروان سوداح. 2016موقع الصين بعيون عربية. [Online]. [9 July 2019]. Available from: http://www.chinainarabic.org/?p=22226