سياسياً، يتواصل التحضير لزيارة الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى موسكو، تلبيةً لدعوة من نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، نقَلها إليه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال زيارته إلى الجزائر في 10 أيار الماضي. وفي هذا الشأن، قال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في 11 تشرين الثاني الفائت، إن زيارة تبون إلى روسيا «يتمّ التحضير لها بنشاط، فيما يأمل الجانب الجزائري أن تتمّ قبل نهاية العام الجاري». وأكد لعمامرة أن الطرفَين «شريكان مهمّان لبعضهما البعض»، مضيفاً «(أننا) نُجري حواراً سياسياً عالي الجودة، ونأمل أن تكون زيارة الرئيس تبون بداية مرحلة جديدة في علاقاتنا». أمّا اقتصادياً، فتَمثّل الحدث الأبرز في إعلان المبعوثة الخاصة المكلَّفة بالمشاريع الكبرى في وزارة الخارجية الجزائرية، ليلى زروقي، في 8 تشرين الثاني الماضي، أن بلادها «تَقدّمت بطلب رسمي للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، التي تضمّ أبرز الاقتصادات الصاعدة، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا»، وهي المجموعة التي يُنظَر إليها، على رغم تَوجّهها الاقتصادي المحض، بل وحتى اختلاف بعض دولها حول مواقف سياسية دولية، على أنها «عودة لتكتّل المعسكر الشرقي التاريخي من بوّابة الاقتصاد».
لا تزال الزيارة التي ينوي تبون القيام بها إلى موسكو قبل نهاية العام محطّ شكوك
إزاء ذلك، تُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الجزائر قد اتّخذت قرارها بحسم موقفها لصالح روسيا، خصوصاً أن مواقفها بدأت تؤخذ أكثر فأكثر، لدى الغربيين، على هذا المحمل. إذ وجّه 17 نائباً من أعضاء البرلمان الأوروبي رسالة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، يطلبون فيها مراجعة اتّفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، معلّلين ذلك بكوْن الأخيرة «واحدة من بين أربعة مشترين رئيسين للأسلحة الروسية»، متّهِمين إيّاها بـ«تمويل الحكومة الروسية من خلال شراء معدّات عسكرية». ولم تكن هذه الحملة التي قادها رئيس وزراء ليتوانيا سابقاً، أندريوس كوبيليوس، الأولى من نوعها، إذ سبق لـ27 من أعضاء الكونغرس الأميركي أن دعوا إلى فرض عقوبات على الجزائر، بحسب ما تضمّنته رسالة مُوجَّهة منهم إلى وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في نهاية أيلول الماضي. لكن تبقى كلّ من الولايات المتحدة وأوروبا حريصة على لعِب ورقة التقارب مع الجزائر، على رغم إشارات الضغط التي يبعث بها ديبلوماسيوهما، في ما يبدو أقرب إلى محاولة للترهيب، وحمْل الجزائريين على مراجعة حساباتهم بخصوص الموقف من روسيا. ولعلّ ما يؤشّر إلى ذلك الحرص، استقبال تبون، في 6 كانون الأول، منسّق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك، برفقة المساعِدة الرئيسة لنائبة وزير الخارجية، يائيل لومبرت، فضلاً عن إجراء رئيس الحكومة، أيمن بن عبد الرحمن، الأسبوع الماضي، محادثات مع وزير التجارة الأميركي، جينا رايموندو، حيث اتفقا على تحضير زيارة للأخير إلى الجزائر على رأس وفد هام لرجال الأعمال في الرُبع الأول من عام 2023. وذكر بيان لرئاسة الحكومة، آنذاك، أن «اللقاء سمح بتأكيد الرغبة المشتركة للبلدَين في تعزيز التعاون الاقتصادي والعلاقات الثنائية من أجل الارتقاء بها إلى مستوى العلاقات السياسية التي تربط الجزائر والولايات المتحدة».
هكذا، تبدو الجزائر في قلْب تضارب المصالح بين الأطراف المتصارعة عالمياً، بما يجعل من الحفاظ على التوازن بينها أمراً صعباً. ولعلّ واحداً من تجلّيات تلك الصعوبة، نفْي الجزائر قيامها بمناورة عسكرية مشتركة مع روسيا، وذلك في بيان غامض لوزارة الدفاع جاء فيه أن المناورات لن تتمّ، من دون التوضيح ما إذا كانت قد أُلغيت أم تأجّلت، وهو ما فتح المجال أمام تأويلات متباينة. كذلك، لا تزال الزيارة التي ينوي تبون القيام بها إلى موسكو قبل نهاية العام محطّ شكوك؛ إذ لا إشارات رسمية إلى وجودها على جدول أعمال الرئيسَين، كما لا تحديد لموعد دقيق لها، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول إذا ما كانت ستُجرى فعلاً، أم سيكون مصيرها التأجيل أو الإلغاء.