يستمرّ مسلسل النفاق والمعايير المزدوجة عند قناة «دويتشه فيله» الألمانية الرسمية، وآخر فصوله المعارضة الحادّة لعودة سوريا إلى الجامعة العربية كما عودة العلاقات بينها وبين دول عربية أخرى، ما يعرّي نيّات المحطّة ومن خلفها حكومتها الممتعضة من التقارب بين دول المنطقة، وهي نيّات لم تكن خافية أصلاً نظراً إلى تاريخ القناة الحافل في الدفاع عن الكيان الصهيوني والتحريض ضدّ الفلسطينيّين وصولاً إلى طرد موظّفين لديها أبرزوا دعمهم للقضية الفلسطينية، بعضهم حتى قبل عمله في القناة.هكذا، يتكفّل جعفر عبد الكريم، ضمن برنامجه «جعفر توك» الذي يُعرض على DW الناطقة بالعربية، بتخصيص هوائه منذ أسبوع على الأقلّ للهجوم الشرس على سوريا ونظامها دون غيرهما، بطريقة تذكّر بلهجة الإعلام الغربي في أولى سنوات الحرب على البلد المشرقي. الفكرة هنا، أنّ مقدّم البرنامج لا ينطلق من خلفيات أخلاقية أو إنسانية معيّنة تبرّر تصرّفه، بل يرتضي أن يسخّر برنامجه كمنصّة للحرب الناعمة التي تخوضها الحكومة الألمانية المحافظة، ويبثّ الرسائل السياسية بطريقة نافرة بل وقحة، وكلّ ذلك تحت حجج «الإنسانية» و«الديمقراطية» و«جرائم النظام» وغيرها من ذرائع استُخدمت طوال العقد الماضي. كيف لا وهو لا يتوجّه ولو بنقد صغير إلى أيّ دولة أخرى، ولا إلى الكيان الصهيوني رغم كلّ جرائمه المستمرّة أمام العيان وعدسات الصحافة التي يدّعي عبد الكريم ومحطّته الانتماء إليها؟ كيف لا وهو لا يتجرّأ على التفوّه بكلمة واحدة داعمة لطفل فلسطيني بريء سقط تحت نيران الاحتلال في بقعة أرض محاصرة من كلّ الجهات؟ كيف لا وقناته لا تنقل حتى أخبار جرائم يرتكبها بعض المتطرّفين في أوكرانيا؟ أيّ إنسانية هذه؟
الأسوأ عندما يستضيف عبد الكريم مثلاً ضيفَين من وجهتَي نظر مختلفتَين من أجل إظهار أنّه يحترم أصول المهنة من حيث الرأي والرأي الآخر، فيصوّر الضيف المعارض لسوريا ولعودة العلاقات معها على أنّه «الإنساني» الذي لم يحد عن «القضية»، فيما الضيف المؤيّد لعودة العلاقات (وليس بالضرورة مؤيّداً لسوريا أو نظامها) على أنّه «اللاأخلاقي» و«اللاإنساني» أو «الخائف» من النظام. هكذا إذاً، تثبت DW يوماً بعد آخر أنّ كلّ أطروحاتها حول استقلالية إدارتها عن الحكومة الألمانية و«حياديتها» ليست إلّا استخفافاً بعقول ناس هم من متابعيها في الدرجة الأولى.