تكاد وفرة الخطوط والحروف والألوان والأشكال في لوحات مرعب تحجب الموضوع الأساسيّ. ثمة ديناميكية مرتفعة داخل اللوحات ذات حيوية فائقة وإيقاعات تجريدية تصبّ في فكرة «بابل» عنوان المعرض، كأنّ خليط الحروف والكلمات والأشكال يحاكي الفوضى البابلية التي ضُرب بها، مثل «برج بابل» حيث تداخل اللغات واختلاطها الهذيانيّ و«تراكبها» لتمسي غير مفهومة وعصيّة على الإدراك.
يمكن العثور في أسلوبه على قرابة مع أسلوب الفنان الأميركيّ الحداثيّ ستيوارت ديفيس
في الوقت نفسه، يمكن فهم اختيار بابل من زاوية روح الثقافة البابلية، ولعلّه القصد المرجّح هنا، إذ لا يمكن أن نغفل الجانب الزخرفيّ المميّز في أعمال جورج مرعب الذي يخلق إيقاعات بصريّة آسرة، من دون أن يلغي ذلك طابع السكون و«الصمت» في اللوحة. المسافات الفارغة بين الفواصل والأشكال تتيح للناظر إلى اللوحة فسحة التأمّل في جوهر المعنى. يمكن العثور في أسلوب مرعب على قرابة مع أسلوب الفنان الأميركيّ الحداثيّ ستيوارت ديفيس، وخصوصاً في نواحي التكوين والتجريد ومفرداتهما، مع اختلاف في التيمات والمناخات اللونية والتقنيات والأدوات. سطح اللوحة لدى مرعب مزدحم بالمفردات المستمدّة من الحروف والنقش البابليّ، ففي لوحته إشارات الحرف لا دلالاته الصوتية. الحروف متقاطعة ومتداخلة تغلب عليها «الثرثرة» والحدّة. يستلهم حركة الحرف ومنحنياته وتتنقل فرشاته بفوضى منظّمة، واعية تمزج تجريدياتها بين الحداثة (الغربية) والتراث. ثمة تفكيك منهجيّ للكتابة التقليدية ليصبح غير المقروء شكلاً تواصليّاً وهويةً فنية تعبيرية.
* «بابل»؛ حتى غدٍ الخميس ــــ «غاليري مارك هاشم» (مينا الحصن ـ بيروت) ــ للاستعلام: 01/999313
في سطور
ولد جورج مرعب في بلدة كفرشيما عام 1960، ونال الماجستير في الفن التشكيلي من الجامعة اللبنانية قبل أن يسافر إلى إيطاليا ويتابع دورات تخصّصية في البندقية لترميم المعالم التاريخية والجداريات. أقام عدداً من المعارض المنفردة، فضلاً عن مشاركاته في معارض جماعية بين فرنسا وسويسرا وبلجيكا والولايات المتحدة ومصر. ومن إنجازاته المعروفة طباعة حجرية محدودة الإصدار في المتحف الوطني في بيروت وجدارية من 450 متراً مربعاً في وسط بيروت، وجدارية ضخمة أخرى من 250 متراً مربعاً في إحدى كنائس بلدة بعبدات اللبنانية.