[في الرياح السيئة يعتمد القلب]
الأساطيل لا ترهبوها.
قفوا لو عراةً كما لو ولدتم،
وسدُّوا المنافذ في وجهها
والقرى والسواحل والأرصفة
انسفوا ما استطعتم إليه الوصول
من الأجنبي المجازف واستبشروا العاصفة
مرحباً أيها العاصفةْ.



أحرقوا طغم القمع من خلفكم
فالأساطيل والقمع شيء يكمل شيئاً
كما يتنامى الكساد على عملة تالفةْ
بالدبابيس والصمغ هذي الدمى الوطنية واقفةٌ
قرِّبوا النار منها
لا تخدعوا أنها تتغير
لا يتغير منها سوى الأغلفةْ.

مرحباً... مرحباً أيها العاصفةْ
أيها الشعب أحش المنافذ بالنار
أشعل مياه الخليج، تسلَّح،
وعلِّم صغارك نقل العتاد كما ينطقون
إذا جاشت العاطفة
لا تخف. نصبوا حاملات الصواريخ
نصبوا جوعك. ضع قبضتك على الساحل العربي
وصدرك والبندقية والشفة الناشفةْ

ربُّ هذا الخليج جماهيرهُ،
لا الحكومات، لا الراجعون إلى الخلف،
لا الأطلسي، ولا الآخرون وإن نضحوا فلسفة.

لا تخف، إننا أمة،
لو جهنم صبَّت على رأسها، واقفة
ما حنى الدهر قامتها أبداً،
إنما تنحني لتعين المقادير إن سقطت أن تقوم
تتمَّ مهماتها الهادفة.

يا حفاة العرب، يا حفاة العجم،
ادفعوا الهادر البشري المسلَّح
ضُكُّوا على عنق السفن الأجنبية
الووا مدافعها في ادعاءاتها الزائفة
حشِّدوا النفط
فالنفط يعرف كيف يقاتل حين تطول الحروب
وقد يتقن الضربة الخاطفةْ

يا جنود العرب،
يا جنود العجم... أيها الجندُ
ليس هنا ساحة الحرب
بل ساحة الالتحام لدكِّ الطغاة
وتصفية لبقايا عروش
توسِّخ في نفسها خائفةْ

أيها الجند
بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة
حطِّموها على قحف أصحابها
اعتمدوا القلب
فالقلب يعرف مهما الرياح الدنيئة سيئة جارفةْ

هل أرى كلَّ هذا السلاح،
لقد داس متجها نحو يافا بنيرانه الجارفةْ.
جاء يوم الجماهير ما أخطأت إنها بمقاديرها زاحفةْ.
ليس وعداً على ذمة الدهر،
غير الجماهير والعبقريات والعاصفةْ.

مرحباً أيها العاصفة
مرحباً، سيقوم من الجرح أكثر عافية وطني
بجراحاته النازفة
دفنوه عميقاً فقام التراب به إذ تململ
فالقوَّتان هي القوة الخائفةْ.

صرت شوقاً مخيفاً
لكثرة ما اشتقت يا وطني
أن أحطَّ على كل باب خدودي وألثمها
ويدي مثلما شفتي هاتفةْ:
أيهذا الدم العربي لماذا هدرتْ،
وواجبك العسكريُّ فلسطين؟
أنت أجب، أيها الدم، يا سيد المعرفةْ.

أيها اليأس،
يا مثقلاً بالغرائز سمّاً على شفتي امتقعْ.
أيها الزبد الأرجوان الثقيل، على شفة الملحدين،
بكل القبائل زدْ وارتفعْ.
رفرفي راية الحدسِ،
ردِّي الشجاعة للدهر، تستيقظ الفلتاتُ
وتعطي نبوءتها القاصمةْ.
اجمعي أمَّةَ الحزن، واستأمنيها المفاتيحَ
دهراً فدهراً
فمهما بدت للوراء تسير بها النكبات
هي الأمة القادمةْ.
شفتي امتداد لجرح بها كلما صاح صحتُ.
فأمي هي النخلة الحالمةْ،
وأمي هي الأنهر الحالمةْ،
وأمي التي علَّمتني على الصدر،
آنئذٍ، علمتني على الطلقة الحاسمةْ.

وطني البدويَّ: نساؤك منهوبة،
ويباهي رجالك نصراً بأعضائهم فرحينَ،
فما زالت العاصمة!
تبَّ قوم زعاماتهم أرنب عصبيٌّ جبانٌ
وعزمهم خصية نائمةْ.
اسكتوا، فالحكومات في أستها نائمةْ.
لا، لا، فحكومتنا دون كل الحكومات،
فزَّت من النوم شاهرة سيفها،
وعلى صدرها ما تشاء من الأوسمةْ:
طعنتنا، وأشهد لله، مثل البقية مستزلمةْ.

يأسُ، يا سيد الموقف اعصف ودمِّر،
اقبِّل حزن يديك، اتقد...
طهَّر الشعب من لعنة الجبرْ
شمِّر، وذوِّب مباذلنا الشاحمةْ.
تمرَّد، فهذي الشراذم ملعونة الأبوين،
على عهرها شدت الأحزمةْ.

من جلالته بالحجاز
يجزُّ بكل أذان إله إلى خير الأنظمةْ.
شهوة نحرت، باتجاه أميركةَ،
سبعاً وسبعين في لحظة،
وتوضأ مجرمها بالدماء،
وصلَّى إلى قبلة مثله مجرمةْ.

يا جهيمان:
حدِّق فما يملكون فرائصهم.
نفذْتَ... نفذْتَ، زرعتهم قرحاً
ونفذْتَ... نفذْتَ بعيدا فأصلابهم عاقمةْ.
فإذا طوَّفوا كان وجهك،
أو سجدوا فالدماء التي غسلوها،
تسدُّ خياشيمهم ومناخيرهم وقلوبهم الآثمةْ.

لم يناصركَ هذا اليسار الغبيُّ،
كأن اليمين أشدَّ ذكاء فأشعل أجهزة الروث،
بين اليسار، يقلِّب في حيرة معجمهْ.
كيف يحتاج دم بهذا الوضوح
إلى معجم طبقي لكي يفهمهْ؟
أي تفوه بيسار كهذا،
أينكر حتى دمه؟

ويا ناصر بن سعيدٍ:
إذا كنت حيّاً بسجنٍ،
وإن كنت حيّاً بقبرٍ،
فأنت هنا بيننا ثورة عارمةْ.

أيها الناس
أعلن أن الحجيج سلاحاً بمكةَ،
في السنة القادمةْ.
كافرّ من يحجُّ بدون سلاحٍ،
يخلِّص مكةَ من دولةٍ عاهرٍ صائمةْ.

ازحفي أيها الكتل البشريةُ،
هذي العيون الملايين لو نظرت ذوَّبتهم،
فكيف إذا حدقت بالبنادق عابسة صارمةْ؟

أيها الناس
هذي سفينة حزني،
وقد غرق النصف منها قتالاً،
بما غرقت عائمةْ.
وشراعي البهيُّ شموخي،
تطرَّفت وعياً. وأدرَجُ في كلٍّ يومٍ،
كأني في قتلهم قائمةْ.
لا أخافُ،
وكيف يخاف جمهور بطلقته كاتمةْ؟
قدمي في الحكومات،
في البدء، والنصف، والخاتمةْ.

حاكمٌ وحمت أمُّه عملة أجنبية،
في يومه فأتى طبقها.
وانقلاب، بكل الحبوب التي تمنع الحملَ،
يزداد حملاً. وسلطنة ربعها لحيةٌ،
وثلاثة أرباعها مظلمةْ.
ومشايخ ملء الخليجِ،
مراحل بعد الفراغْ.
وأموالهم ذهبٌ إنما أجزمةْ.

والجماهير قد حولت وزنها ضجةً،
والبلاد إذا سمنت وارمةْ.
ولقد تشرق الشمس من حزننا غاربةْ.
ينطق الجوع منذ ولادتنا،
ويشبُّ بنا الموت والأتربةْ.
وأجانب مهما نقاتل،
والحاكمون الخصايا هم العرب العاربةْ.
حاكم طوله وكرامته دون هذا حذائي
ويضرب طولاً بعرض، هو الصفر
مهما تك الآلة الضاربة.

رحمة أيها الشعب
ضجَّ بشكل صحيح
لقد تاه قلبي، ولم يبق بيت به فرح
كلها شاحبة. أيها المنتشون،
بمحض الصراخ الملقَّن
والبث والذبذبة،
لحظة الصمت أعظم، إن صدقَتْ،
بصدق الانفجار ونيرانه اللاهبةْ.

أيها الجمع
صه، لا تصفِّق لأنظمة غائبةْ.
ما لها تتثاءب هذي الجماهير؟
تهتف وهي منومة...
زلزلي، واكفهري، اكفهري،
اكفهري يا أجمل من أمة غاضبةْ.
امسحيهم، فهم حاكمين بغايا بأفواههم،
والشريف الشريف شهامته سالبةْ.
اركليهم فأقدارهم يركلون
وأقدارنا القوة الضاربةْ.

* قصيدة «الأساطيل» (1963) للشاعر العراقي الراحل مظفر النواب (1934 - 2022)