يتواصل في رواق كاليستي شمال العاصمة تونس معرض التشكيلي مراد الحرباوي الذي انطلق قبل أسبوع ويعرض فيه الحرباوي أحدث أعماله التشكيلية. الحرباوي (1970) أبرز الفنانين التونسيين الذين ظهروا في الأعوام الثلاثين الأخيرة، يقدّم في هذا المعرض خمسين لوحة متفاوتة الأحجام والأشكال يصافح بها الجمهور بعد غياب حوالي خمس سنوات عن المعارض الشخصية.
بالأسلوب نفسه مع ميل واضح للتجريب ولغة بصرية متحرّكة، يواصل الحرباوي مغامرته التشكيلية. لوحات يحضر فيها الجسد الانساني في تحوّلاته وحالاته، كأن الحرباوي يلتقط وجوه الناس وتعبيراتهم؛ وجوه يغلب عليها القلق والخوف والأنتظار والأمل والأنكسار وهي وجوه من صميم الشارع التونسي خلال السنوات العشر الأخيرة، وقد برع الحرباوي في التقاط ملامح الانسان التونسي في حياته اليومية. والحرباوي من الرسّامين القلائل في تونس الذين يعيشون في «الشّارع». فهو من «نجوم» شارع الحبيب بورقيبة القلب النابض للعاصمة التونسية تجده منذ الصباح الباكر وأحياناً حتى ساعة متأخرة من الليل. يعرف الشارع بتفاصيله وحكاياته من المقاهي والمطاعم والحانات إلى باعة الصحف والمتسولين وماسحي الأحذية والأسواق وقاعات السينما… فهذا الشارع الكبير هو مصدر الالهام الأساسي لمراد الحرباوي الذي تتعدّد ألوانه، لكن إيقاعها واحد الحرية والاقبال على الحياة رغم العتمة التي لا تخلو منها لوحة من لوحاته بألوان سوداء ورمادية، لكن الأزرق والأحمر والأصفر لا تغيب أيضاً عن عوالمه البصرية.
عن هذا المعرض، قال الحرباوي لنا: «كل الأعمال جديدة، لكن هناك لوحات كبيرة مستديرة ومربعة ومثلثة وأردت الخروج من النسق العادي والكلاسيكي في تونس. وهي محاولات تجريبية لأن الفن تجريب أساساً». أما عن الحضور الطاغي للجسد في أعماله، فيقول: «كلما حاولت الهروب من الجسد، أو من الوجوه، لا تنفك تطاردني. خلال السنوات العشر الأخيرة، لا أرى إلا الوجوه الهائمة. ومن دون شعور منك، تغلب عليك تعبيرات الوجوه سواء كانت جميلة أو مشوّهة». ويضيف: «تونس مثل المرجل الذي يغلي والإنسان هو العامود الفقري لهذا الحراك الذي تعيشه البلاد منذ سنوات. لذلك لم أستطع الهروب من تأمل ما يحدث في الشارع التونسي في الأسواق والمقاهي وقاعات السينما والمسارح وكل مكان».
وخلافاً لعديد الرّسّامين المفتونين بالفن المعاصر، خصوصاً التجهيزات الفنية، يعتبر الحرباوي هذه التجارب مسقطة ووافدة وليس فيها سند في البيئة التونسية، مشدّداً على أن هاجسه الأساسي هو التعبير عن الروح التونسية والاستلهام منها، بدءاً من الألوان والوجوه والطبيعة وصولاً إلى المعمار والنسيج والموسيقى، قائلاً «أريد أن تكون لوحتي منتمية لهذه الأرض التي تسمّى تونس بكل ارثها الحضاري وعمقها التاريخي».