كنّا نترقّب بحماس في حفل ختام «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عسانا نسمع اسم الفيلم اللبناني «دفاتر مايا» ضمن الجوائز. الشريط كان قد شارك ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ونافس على جائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم عربي. وبالفعل ربح الفيلم (إخراج جوانا حاجي توما، وخليل جريج، وإنتاج فرنسا، ولبنان، وكندا ـــ 102 دقيقة) الجائزة. تنطلق الحكاية من صبية يافعة اسمها أليكس تعيش في كندا، في كنف والدتها المغتربة مايا، وهي أم عزباء. تجد مايا نفسها أمام مكاشفة حادة مع تاريخها وتاريخ بلادها وذكريات الحرب اللعينة، في ليلة من ليالي عيد الميلاد، التي تقضيها وسط ثلوج مونتريال. إذ تتلقى الأم وابنتها شحنة غير متوقعة تنزل مثل الهمّ في ساعة غفلة: وهي عبارة عن دفاتر، وأشرطة، وصور قديمة كانت قد أرسلتها مايا إلى صديقتها المقربة من بيروت في الثمانينيات. ارتأت عائلة صديقتها تلك أن تعيد الأغراض لصاحبتها بعد أن توفيت الابنة في حادث سيارة مفاجئ! ترفض مايا فتح الصندوق بمجرّد أن تعرف بأمر رفيقتها وموتها، لكن أليكس تبدأ سراً في نبش الصندوق، وتتبّع الذكريات. تجد نفسها أمام تلخيص مكثّف لجزء من تاريخ لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، من خلال سرد يوميات مايا لصديقتها ليزا عن حياتها وحبها الوحيد، والتقاتل اللبناني، وحالة الحرب، وليل بيروت الطويل وسط القصف، والتحايل عليه والالتفاف على بشاعته من خلال دفقات يومية تساعد في الاستمرار. من هنا يتخّذ الشريط شكل وثيقة شعبية غير رسمية تروي وجع جيل كامل على طريقة تشبه «يوميات البديري الحلّاق» وسرده الحكائي عن تاريخ دمشق! بسلاسة وعفوية مطلقة مستمدة من شكل الحكاية الديكودرامية الموزّعة بين حقائق حيّة، وتصنيع حكائي متعمّد بقصد الجذب، وبالاعتماد على مذكرّات حقيقية، سنكون أمام وجبة سينمائية مكثفة ورشيقة، تشتبك مع غنى الأحداث اللاهبة في أكثر البلدان العربية معاناةً مع الدم! لعلّ النقطة الأكثر إضاءة في الحرب تلك المتعلقة بوالد مايا الذي مات منتحراً، فاختارت أمّها أن تطلق عليه الرصاص بيدها بعد موته، لكي يزّف على أنه بطل قومي اغتيل على خلفية مواقفه السياسية، فيما تلتقط له ابنته صوراً وتترك الفيلم في الكاميرا لحين وصول هذه الكاميرا مع بقية أغراضها إلى كندا بعد مرور 25 عاماً. لذا تعمل على تظهير هذه الصور، لتكون بمثابة استعادة لمأساتها قبل ربع قرن! الحكاية فرصة لاكتشاف منحى واضح من شكل العلاقات في لبنان، متكئة على الواقعية المطلقة، مع ملاحقة مفردات الحياة بمنطقها وأسلوبها الجديد. حتى حركة الكاميرا والتفاصيل الفنية الأخرى، أرادت أن تعطي الرواية مصداقية والتماساً صريحاً للواقع، من دون إبهار مفتعل، أو قيم مضافة على مستوى الصياغة البصرية.