غير أنّ الكتاب واجه حملة سلبية من الاكاديميات الأوروبية والإيطالية، كونه تجرأ ورفع ابن عربي الى مستوى دانتي. واضطر بالاسيوس الى إصدار نسخة أخرى من كتابه قبل سنوات من وفاته، حيث أشار الى إنّه لا يعتقد بأنّ دانتي قرأ نتاج ابن عربي، ولا أنّه اقتبس بعضاً من أفكاره، بل إنّ الاثنين توصلا الى النتائج نفسها بسبب تعمقهما المشترك في الدين والفلسفة والشعر. غير أنّ بالاسيوس أوضح أنّ دانتي قرأ نتاج الفيلسوف الطبيب العظيم ابن سينا، وربما تأثر ابن عربي أيضاً بابن سينا قبله، وخصوصاً أنّ الاثنين (ابن عربي ودانتي) تحفظا إزاء كون الفلسفة وحدها تعدّ القالب الامثل للتعبير عن الفكر، ومالا أيضاً الى الشعر. إذافة إلى أنّهما تشاركا في إيمانهما بالتقارب الاسلامي ـ المسيحي، وفي رغبتهما بالتطوير والابتكار في قالب الأداء الفكري وادخال معادلات جديدة اليه، ومقاربات رقمية في بعض الاحيان، لكن ذات ايحاءات لاهوتية. وأشار المؤدب الى أنّ صديقة له هي باحثة في جامعة «فانكوفر» الكندية تدعى دانييلا بوكاتشيني، كتبت أنّ المترجم الأول لكتاب «المعراج» لابن عربي كان اليهودي ابراهام الخطيب، فالنسخة الاصلية من الكتاب لم تعد موجودة، وربما أعاد المترجم هيكلة بعض أجزاء الكتاب.
الاثنان غاصا في جذور المسيحية والاسلام وارتشفا أعماقهما
وذكر المؤدب أنّه إذا كان دانتي قد قرأ ابن عربي، فهذا يعني أنّه أتقن اللغة العربية، وهذا ليس صحيحاً، إذ أتقن لغات أخرى. وحالياً، كتاب «المعراج» مترجم الى الفرنسية والايطالية ولغات أخرى. وهذا شأن كتاب «ترجمان الاشواق» لابن عربي الذي كُتب قبل قرن واحد من صدور Vita Nuova لدانتي. الأول في ختام القرن الثاني عشر والثاني في ختام القرن الـ 13. أما بالنسبة إلى شخصيتي «نظام» لدى ابن عربي و«بياتريس» لدى دانتي، فقد عبّرتا عن الانسجام والتناسق الكوني بحسب المؤدب، والقصيدة رقم 12 لدى ابن عربي التي كرّسها للثالوت المقدس تحمل إيحاءات مسيحية، مع أنّ ابن عربي كان مسلماً. والحب كتعبير عن النظام الكوني المتناسق موجود في شخصيتي «نظام» و«بياتريس» معاً. والحب الإلهي الموجود لدى دانتي نحو بياتريس في «الكوميديا الالهية»، يعود الى أنّ بياتريس تمثل الكمال. في «فيتا نوفا» تموت بياتريس، لكنه يلتقيها في السماء. أما في «ترجمان الاشواق»، فيقول ابن عربي إنّ الغزل يؤدي الى الحب الالهي ويحوّل الحب الارضي الى حب الهي. وأشار المؤدّب إلى أنّ اتهامات وجّهها منتقدو ابن عربي لشعره وفلسفته، واضطر الى الرد عليها، فأتت ردوده أكثر تعقيداً من شعره وفلسفته برغم عمقها.
بيد أنّ المؤدب أكّد أنّ الشاعرين الفيلسوفين كان يعتبران أنّ الشعر ابتكار قبل أي شيء. وهذا ما لاحظه كبار شعراء عصرنا كإزرا باوند وجيمس جويس في كتابات دانتي، ولسوء الحظ، لم يتعرّف الشعراء المعاصرون ـ بنظره ـ إلى نتاج ابن عربي. ولو فعلوا ذلك، لأُعجبوا به كإعجابهم بدانتي. تطرق المؤدب في ختام محاضرته الى استخدام دانتي وابن عربي للارقام في نتاجهما، مشيراً إلى أنّ دانتي ركّز على الرقم 9، فيما ركزّ ابن عربي على الرقم 3. ورقم ثلاثة فيه اشارة الى الثالوث المقدس، وهو يمثل عنصراً رقمياً من رقم 9، أي أنّ دانتي وابن عربي آمنا بالله والابن والروح القدس، من جهة الاول، والله، الرحمن، الرحيم من جهة الثاني. وبالتالي كان للرقمية في نتاجهما رمزية كبيرة.