لم تتوقّف تلك الرحلة الكابوسية من دمشق إلى حلب، لتنفيذ وصية الأب بدفن جثمانه في قرية العنابية شمال حلب، وفقاً لوقائع روايته «الموت عمل شاق»، إلا أن خط سير الرواية بنسختها الإنكليزية التي حملت توقيع المترجمة ليري برايس، اتّخذ مساراً مبهجاً بالنسبة لصاحبها الروائي السوري خالد خليفة (1964). عدا ترجمتها إلى أكثر من لغة عالمية، ها هي تقتحم مطابخ الجوائز العالمية بقوة. ما إن انتهى الصخب حول ترشّح الرواية في القائمة القصيرة لجائزة «ناشيونال بووك أوورد» الأميركية الرفيعة، حتى حطّت الرواية رحالها بين الأعمال المرشّحة في القائمة القصيرة لجائزة «سيف غباش للترجمة» التي تقيمها مجلة «بانيبال» البريطانية لأفضل رواية عربية مترجمة إلى الإنكليزية. وجاء في حيثيات اختيار الرواية بأنها «سرد وفيٌّ للواقع كأن الكاتب يلقي بصنارته في نهر البؤس السوري؛ ليصطاد عائلة ويسردها بصبر كبير، عائلة مفككة تحاول تنفيذ وصية الأب بنقل جثمانه من دمشق إلى قريته العنابية البعيدة في ريف حلب، ومن خلال تنفيذ الوصية تعيش العائلة وقائع حقيقية وأخرى غرائبية تحيلهم إلى أنفسهم وإلى محنة بلادهم المنكوبة». أولى خطوات خالد خليفة نحو نادي الجوائز كانت مع روايته «مديح الكراهية» التي شقت طريقها إلى القائمة القصيرة لجائزة «بوكر» العربية في دورتها الأولى (2008)، ثم رُشحت روايته «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» (2013) في القائمة القصيرة للجائزة نفسها. لكنّه سيتوّج بـ «جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية» عن هذه الرواية في العام نفسه، في موازاة ترجمتها إلى الإنكليزية ولغات أخرى. هذا التجوال العالمي تقابله جغرافيا ثابتة هي مدينة حلب التي بقيت بؤرة اهتماماته السردية مقلّباً تاريخها على موقد الأسى والحنين والفجائع. وها هو يعود إليها مرّة أخرى في روايته الأخيرة «لم يصلّ عليهم أحد» (نوفل ــــ 2019)، بروح ملحمية تفترض طوفاناً يغرق قرية بالقرب من مدينة حلب، مؤرخاً لتحولات المدينة، ومقترحاً «سردية جديدة ومختلفة لمدينة حلب في القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، عبر قصص متشابكة عن الحبّ الموؤود، والموت المحقق عبر المجازر والطاعون والزلازل والكوليرا، ومفهوم الهوية والانتماء وأسئلتهما، وعن الطوفان والقلق البشري، عن وهم النجاة من هذا الطوفان، وعن ورطة الحياة بحدّ ذاتها». لكن هذه الحفريات التاريخية المتخيّلة وتشابك مصائر الشخصيات بجذورها المختلفة، لا تمنع من النظر إلى راهن المدينة التي غرقت في طوفان الحرب اليوم بمرآة الأمس.