سيدلّونك على مبنى البلدية في حمانا. خلفه، يقبع منزل بشبابيك زرق، مؤلف من ثلاث طبقات. لن تضطر إلى أن تقول لأحد اسم «بيت الفنان» كي يتعرّف إليه. يستدلون عليه من الورشة المستمرّة فيه حالياً، ومن العمال الذين يزرعون الشتلات أمام النوافذ. منذ أشهر، هناك جلبة غير مسموعة من قبل، في القرية المتمددة على ارتفاع 1200 متر مربع.
تحديداً منذ بدأ ترميم «بيت الفنان»، الذي يفتتح عند السابعة من مساء اليوم بأمسية موسيقية وفنية. انطلق المشروع بمبادرة من روبير عيد، الذي أراد أن يستثمر المنزل بمشروع ثقافي، يسعى «إلى إنعاش القرية والاستثمار في المجال الفني الذي يجمع ولا يفرّق» في ضيعة والدته. قبل سنوات، كان المكان منزلاً مهجوراً آخر. اشتراه عيد وحوّله إلى مبنى من ثلاث طبقات معدّ لاستقبال مشروع فني. تقاطعت أفكار الرجل الأولى مع الرؤية الفنية والإدارية لـ «مجموعة كهربا» التي تعرّف إليها عبر «المعهد الفرنسي في لبنان». راكمت الفرقة المسرحية اللبنانية خبرة طويلة في مجال العمل المسرحي منذ تأسيسها عام 2006.الفعل الفني لديها يقوم على الإشراك وتبادل الخبرات والحوار، والتعاون والعمل الجماعي في إنجاز عروضها. وعي كهذا، بلور ملامحها، ورسّخ نوعاً من الاشتراكية الفنية، خارج السيستم الفني القائم ومقاييسه الربحية. قبل سنوات، أطلقت الفرقة مهرجانها الفني «نحنا والقمر والجيران»، على «درج الفاندوم» في مار مخايل، داعية الناس والفنانين على السواء. أما عروضها التي تمزج الدمى والرقص والفيديو مع المسرح، فقد جالت على مناطق لبنانية لم تطاولها «موجات» بيروت الثقافية. هكذا يبدو مشروع «بيت الفنان»، امتداداً لعمل الفرقة من جهة، ولحركات مسرحية رائدة لاقت نفسها في الريف اللبناني، بعيداً عن بيروت. في الماضي الذي ليس بعيداً جداً، أقام المعلم اللبناني الراحل منير أبو دبس مهرجانه المسرحي في الفريكة. ومن محترفه، خرجت مواهب ووجوه مسرحية لا تنسى. أما العمل الجماعي، فكان وراء أهم التجارب المسرحية وأكثرها تجديداً وتمرّداً مثل «محترف بيروت للمسرح» في الستينيات، و«مسرح الحكواتي» بعدها.

شغل سينوغرافيا
بسقف عالٍ، هو الأوّل
من نوعه في لبنان

يعرف عضو الفرقة أوريليان الزوقي، الوضع الحالي جيداً: التمركز الثقافي في بيروت، وانحسار الفرص أمام الفنانين الجدد، وابتعاد الفعل الثقافي والفني عن العامّة، وتهميشهم في معظم الأحيان.هكذا تبدو الرؤية العامة للمشروع، محسومة وواضحة: «الشراكة واللقاء»
يترك المديران الفنيان للمشروع أوريليان الزوقي، وإيريك دينيو، مع المديرة التنفيذية جوليان عرب خيارات البرمجة مفتوحة أمام الاحتمالات الجديدة والطارئة. مع ذلك، فإن الأفكار تفوق سعة المنزل وغرفه بأكملها، والفرقة وجدت فضاءً مادياً يتلقف تطلعاتها الفنية، التي تتجاوز حدود الخلق الفردي (المتعلّق بالفرقة)، لتصل إلى تدشين وبناء حالة فنية عامّة. في المبنى غرف نوم ستستقبل إقامات فنانين أجانب ومحليين، ومحترفين ومبتدئين، «نعمل على أن تكون طريقة تقديم الطلبات واختيارها مرنة قدر الإمكان»، يشدد الزوقي. يضم المنزل صالة واسعة للقاءات، معدّة بطريقة مرنة لتغيير ديكوراته واستعمالها كغرف نوم أخرى أو كفضاء لاستقبال المعارض الفنية البصرية. إلى جانب الغرف والمطابخ والحمامات والمكتب وغرفة الأبحاث، هناك مشغل سينوغرافيا بسقف عالٍ، هو الأوّل من نوعه في لبنان، مجهّز لورش السينوغرافيا والديكورات والدمى. هناك أيضاً استوديو للرقص والتدريب المسرحي، إلى جانب صالونات وغرف جلوس فرعية للقاءات. في دار المنزل الذي يعلو جبلاً مرتفعاً تغطّيه الأشجار والمنازل القديمة، تمتدّ مساحة واسعة مخصصة لتشييد المسرح الأساسي، الذي يتسع لجمهور يصل إلى 500 شخص. رغم أن الاهتمام الأساسي في «بيت الفنان»، يتركّز على فنون الأداء والعرض، إلا أن الفضاء يدعو فنانين آخرين مثل الكتّاب وكتّاب المسرح والسينما. كذلك سيحتضن معارض فنون بصرية، وعروض أفلام، وحفلات موسيقية. الحماسة التي تعمّ المكان، قبل يومين من الافتتاح، لا تبدّد هواجس الاستمرارية لدى أعضاء الفرقة. يتنبّه القائمون على المشروع إلى مطبات كثيرة، محاولين تفاديها منذ البداية. هكذا لم تحصر إدارة المشروع بأفراد محددين، «لأننا نفكّر على المدى الطويل» كما يقول الزوقي، مضيفاً أننا «مستعدون للتعاون مع المؤسسات والمبادرات الفنية الأخرى». إلى جانب دعم روبير عيد الذي قدّم لهم المكان، تتلقى الفرقة أيضاً دعماً من «آفاق»، ومن «مؤسسة المورد الثقافي». حتى الآن بدأ برنامج الأشهر المقبلة يتضح شيئاً فشيئاً. في 19 آب (أغسطس) المقبل، هناك أمسية للفنانة اللبنانية دالين جبّور التي تغني أسمهان. أما الإقامة الفنية الأولى، فستكون لمجموعة من أعضاء «فرقة الدرب الأحمر» التي قدّمت قبل سنوات عرض «تاهت ولقيناها» (إخراج حنان الحاج علي) في بيروت. وبعدما أقامت ورشة فنون جسدية لعدد من أطفال حمانا قبل أسابيع، ستنظم ورش عمل جسدية ومسرحية وفنية لفئات عمرية مختلفة من الضيعة، وإقامات ومشاريع مع طلاب المدارس ومع طلاب جامعة «الألبا»، وإقامة في الكتابة المسرحية مع عبدالله الكفري ووائل قدور. هناك أيضاً مشروع تعاون مع مؤسسات في فرنسا وتركيا بهدف استقبال فنانين لاجئين ومهجرين ضمن إقامات فنية. أما «بيت الفنان» الذي سيصير مقرّ عمل «مجموعة كهربا»، فسيستقبل أيضاً عروضاً من مهرجان «نحنا والقمر والجيران»، إلى جانب «درج الفاندوم» في بيروت.

أمسية افتتاح «بيت الفنان»: 19:00 مساء اليوم ـ «بيت الفنان» في قرية حمانا. للاستعلام: 03/944126




ليلة الافتتاح

بحضور الفنان والمسرحي اللبناني روجيه عساف، والممثلة ندى أبو فرحات، وممثلي وزارة الثقافة اللبنانية، والسفارة الفرنسية، وبلدية حمانا، تنطلق حفلة افتتاح «بيت الفنان» عند السابعة من مساء اليوم في حمانا (تبعد 40 دقيقة عن بيروت). في الأمسية، ستحضر فرقة خوان كارلوس كاراسكو، التي تقدم موسيقى التانغو الأرجنتينية بأسلوب معاصر، يرافقها راقصون ومغنون. بعدها تحل فرقة «ثلاثي ساتيان» التي تضمّ عازف البيانو الأرمني ــ اللبناني آرتور ساتيان مع عازف الكونترباص خاتشاتور سافزيان، وعازف الدرامز أرنو أوغرلي، حيث سيقدمون مقطوعات من ريبرتوار الجاز، بالإضافة إلى مقطوعات خاصّة.