بعد مرور ثمانية أشهر على العدوان الإسرائيلي المتواصل بحق المدنيين، وبعد تجاوز الإسرائيلي للمعايير والقوانين والمواثيق والقواعد الدولية واصراره على الاستمرار بالإبادة الجماعية، لا بد ان يتوسّع اطار المواجهة. فبعد تجاهل العدو الإسرائيلي قرارات ملزمة قانونياً صدرت عن مجلس الامن الدولي بوقف اطلاق النار فوراً، وامتناعه عن الرضوخ لأوامر متتالية صدرت عن اعلى سلطة قضائية في العالم (محكمة العدل الدولية)، واغفاله موجب الالتزام بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الانسان، وتهديده المحكمة الجنائية الدولية لمنعها من اصدار مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يؤاف غالانت، وبعدما شاهد العالم فظاعات الإبادة الجماعية بالصوت والصورة عبر التلفزيون والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يُفترض أن يتوسّع اطار المواجهة. ولا بد للمواجهة أن تشمل، بموازاة جبهات المواجهة العسكرية في غزة والضفة وجنوب لبنان، مواجهة من نوع آخر بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي وبعض الحكومات الغربية الداعمة له من جهة، ومنظمة الأمم المتحدة ومعظم الدول الأعضاء فيها من الجهة المقابلة. ولا يمكن تجاهل «الحقيقة» التي أشار اليها أخيراً الزميل وليد شراراة بأن الولايات المتحدة «تعتبر أنها تخوض حرباً واحدة في ساحاتٍ متعدّدة، بدءاً مِن أوكرانيا، مروراً بغزّة ومضيق باب المندب، وصولاً إلى تايوان وبحر الصين الجنوبي».للمرّة الأولىمنذ سيطرة الصهاينة على ارض فلسطين، هناك شبه اجماع دولي على أن «إسرائيل» لا تعتدي على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وعلى اللبنانيين في الجنوب وعلى اليمنيين والسوريين والايرانيين وحسب، بل تعتدي كذلك على منظمة الأمم المتحدة المتمثلة بمجلس الامن الدولي ومحكمة العدل الدولية والجمعية العامة والانروا والأمانة العامة للأمم المتحدة واليونيسف ومنظمة الصحّة العالمية، وأقدمت على قتل اكبر عدد من موظفي الأمم المتحدة منذ تأسيسها ودمّرت منشآتها وآلياتها.
أصبحت الفرصة متاحة لانتقال الأمم المتحدة من خلال مجلس الامن الدولي الى وضع مشروع قرار لفرض «تدابير» (ما يُعرف بالعقوبات) على «إسرائيل»، و«يجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية» (ميثاق الأمم المتحدة، المادة 41). وفي حال عدم رضوخها، يتيح الميثاق استخدام «القوات الجوية والبحرية والبرية» للقيام بـ «ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه» (المادة 42) كما أشارت الزميلة فرحات.
ان عجز الأمم المتحدة او امتناعها عن القيام بخطوات جدية في هذا الاتّجاه يفقدها ما تبقى من مصداقية ومكانة. علماً ان الأمم المتحدة فشلت خلال الأشهر الثمانية الماضية في تقديم أي نوع من الحماية الجدية للمدنيين والمستشفيات وطواقم الإسعاف، وفشلت في منع الإبادة الجماعية والخطف والتعذيب والدمار الشامل.
بعد ثمانية اشهر من المجازر ومن العجز الدولي، من حق جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، ومن حق القوى المقاومة للمعتدي الاسرائيلي، شن حرب واسعة عليه لوقف الإبادة الجماعية في غزة. يتناسب ذلك مع معايير قانون الحرب (Jus ad Bellum). لا بل ان استمرار المجازر الوحشية اليومية بحق الأطفال والنساء والجرحى والتجويع والتعذيب والقصف، يشكل الأسباب الموجبة الكافية لتوسيع المواجهة بكل اشكالها بما في ذلك شن حرب واسعة النطاق من البر والبحر والجو لإخضاع الإسرائيلي واجباره بالقوة على وقف الإبادة الجماعية فوراً.
وبينما يتكرر اليوم سؤال في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية: هل تشنّ إسرائيل هجوماً واسعاً على لبنان؟
بعد ثمانية اشهر من المجازر ومن العجز الدولي، يحق لقوى المقاومة للمعتدي الاسرائيلي شن حرب واسعة عليه لوقف الإبادة الجماعية


(يحمل هذا السؤال في طياته تسليماً مبطّناً بأن العدو الإسرائيلي ما زال قادراً، بمفرده، على اتخاذ قرار من هذا النوع بينما وقائع الميدان تشير الى غير ذلك)، فإن السؤال الذي يفترض ان يطرحه العالم مستهجناً: لماذا لم تتخذ دول المنطقة العربية تدابير جدية بما في ذلك تدابير اقتصادية وعسكرية لقمع العدو الإسرائيلي والزامه بتطبيق القانون الدولي ووقف الإبادة الجماعية؟ يفترض ان يكون السؤال: متى يستفيق العرب ويتذكرون ان العدل والانصاف اهم من المال والمصالح والكازينو وناطحات السحاب في الصحراء؟
الجبهة في جنوب لبنان هي جبهة اسناد كما تكررّ بيانات حزب الله الرسمية؛ والمعركة هي معركة تسجيل نقاط كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله (علماً ان المجاهدين اثبتوا انهم على أهبة الاستعداد لمواجهة واسعة مع العدو واخرجوا بعض ما لديهم من قدرات عسكرية متطوّرة). وقد قدم حزب الله وحركة أمل والجماعة الإسلامية والحزب القومي السوري الاجتماعي عشرات الشهداء على طريق القدس في هذه المعركة. وتتبنى القيادات في وحدة الساحات استراتيجية مدروسة في مواجهة العدو عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واعلامياً وتختار التوقيت المناسب لعمليات المقاومة المسلحة.
ما نسعى الى تبيانه في «القوس» من خلال عرضنا لكل المساعي الديبلوماسية والقضائية التي عجزت عن وقف الإبادة الجماعية هو ان لهذه المقاومة الحق في توسيع المواجهة وشن هجوم حربي واسع على تل ابيب ويافا وحيفا وعكا وكل فلسطين المحتلة بهدف تحريرها من الكيان الغاصب الذي ليس قوة احتلال فحسب، بل عصابة تعتدي على الأمم المتحدة وعلى القانون الدولي وعلى كرامات البشر.
لحزب الله وانصار الله والحشد الشعبي وفيلق القدس وكل القوى المقاومة الحق في تكرار هجوم السابع من أكتوبر 2023 المجيد في جنوب فلسطين المحتلة لأن الصهاينة اثبتوا انهم لا يفهمون الا لغة القوة.