على خلاف بعض الأجواء والتقديرات الموجّهة التي توحي كما لو أن إسرائيل في طريقها إلى شن حرب على لبنان، فإن ما نشره موقع القناة 12 عن مواقف طُرحت خلال نقاش مغلق حول الخيار العسكري إزاء لبنان، مساء الثلاثاء، يؤكد أن السياسة العدوانية الإسرائيلية لا تزال خاضعة للأولويات والقواعد والمعادلات الحاكمة منذ مطلع الحرب، والتزام العدو أيضاً بقواعد الاشتباك المستندة إليها. وبالتالي، لا يُتوقع أن تساهم عملية حورفيش أمس، رغم خسائرها القاسية، في إحداث تحول جذري في أولويات قيادة العدو في هذه المرحلة. وفي الخلاصة، فإن ما شهدته الأيام الأخيرة يؤكد، مرة أخرى، أن الحرب الشاملة لا تزال مستبعدة في ضوء المعادلات والمعطيات المتوفّرة، وأن ما تتمحور حوله التقديرات هو حدوث مستويات من التصعيد بنسبة أو بأخرى.وأهم هذه المواقف التي كشفها موقع القناة، وتشكل عاملاً أساسياً في تحديد الاتجاه، هو موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي لا يزال يرى «أن الأولوية القصوى لا تزال للحرب في غزة»، و«بعد تحقيق الأهداف من المناسب التعامل مع الشمال». ولا يشذ عن ذلك موقف الوزيرين بني غانتس وغادي آيزنكوت اللذين يؤكدان على ضرورة أن تسعى إسرائيل جاهدة للتوصل إلى اتفاق مع حماس من أجل التحول إلى شن عملية في الشمال، أي - بعبارة أخرى - أنهما أيضا يعتبران أن الأولوية في هذه المرحلة هي لمقتضيات جبهة غزة. وفي السياق نفسه، رأى وزير الأمن يوآف غالانت، أنه ينبغي تعزيز سقف الردود ضد حزب الله، على أن «لا يتم الذهاب إلى معركة في الشمال إلا بعدما نفهم بأنه لا يوجد طريق للتوصل إلى اتفاق حول المخطوفين واتفاق دبلوماسي»، ما يعني أيضاً الاكتفاء في هذه المرحلة بسياسة الرد وإن بسقف أعلى، بعيداً عن أي مواجهة واسعة. ومما يجعل الأمور أكثر تناغماً أن المؤسسة الأمنية لا تزال ترى أن من الأفضل الذهاب إلى معركة في الشمال بعد إنهاء القتال في رفح.
وإذا ما تجاوزنا المواقف المتطرفة للوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، من الواضح أنه لا يوجد في المستوى السياسي الإسرائيلي، من يؤيد معركة واسعة على الجبهة الشمالية في هذه المرحلة. بل إن أقصى ما يتم طرحه هو تعزيز الضربات التي في الأساس هي تصاعدية في الأشهر الأخيرة.
وكان حزب الله أعلن، أمس، شنّ هجوم جوي بسرب من المُسيّرات الانقضاضية على تجمّع مستحدث لجيش العدو جنوب ‌مستوطنة «إلكوش» في ‌حُرفيش في الجليل الغربي، شمال غرب مدينة صفد، رداً على ‌‏الاعتداءات الإسرائيلية، وأكّد أنه استهدف بالعملية أماكن تموضع واستقرار ضباط الاحتلال وجنوده، ما أدى إلى إيقاعهم بين قتيل وجريح.‌‏ وسرعان ما ضجّت وسائل إعلام العدو بأنباء «الحدث الأصعب في الشمال منذ بدء الحرب»، وأشارت إلى أن حزب الله استهدف تجمّعاً للجنود في «إلكوش»، ولدى وصول قوات الإنقاذ والإسعاف، تم استهداف المكان للمرة الثانية، مشيرة إلى أن العملية أدّت إلى مقتل جنديين وإصابة 24 آخرين، بينهم حالات خطرة وميؤوس منها.
ولفت المراسل العسكري لصحيفة «معاريف» إلى أن «الهجوم جاء دون سابق إنذار ويبدو أنه تم تنفيذه على مرحلتين»، معتبراً أنه «الحادث الأكثر خطورة في الشمال منذ بداية القتال بسبب المسافة من الحدود وحجم الخسائر البشرية فيما كان التأثير دقيقاً ومستهدفاً». فيما أشارت وسائل الإعلام إلى أن نجاح الإصابة ومن دون انطلاق صفارات الإنذار كان بسبب نجاح حزب الله في استهداف منظومة الرادار التابعة لجيش الاحتلال وبطاريات القبة الحديدية، مؤكدةً أنّ «الهجوم جيد التخطيط ومتكامل وليس حادثاً عشوائياً».
وجاءت العملية بعد ساعات على قرار حكومة الاحتلال تعزيز قوات الاحتياط بـ50 ألف جندي إضافي، ليرتفع عددها إلى 350 ألف جندي. وقبلها بساعات، زار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو معسكر «غيبور» في كريات شمونة، الذي استُهدف أخيراً بصواريخ من قبل حزب الله، وأعلن «أننا مستعدون لعملية كبيرة جداً في الشمال»، في ما بدا أنه محاولة لإطفاء غضب المستوطنين على خلفية الفشل في إطفاء الحرائق التي اندلعت في كريات شمونة والجليل. وفي هذا السياق، قال نتنياهو إن «الأرض اشتعلت هنا أمس ولكن أيضاً اشتعلت في لبنان (...) ومن يظن أنه سيستهدفنا وسنجلس مكتوفي الأيدي يرتكب خطأ كبيراً، وبطريقة كهذه أو أخرى سنعيد الأمن إلى الشمال».
إلى ذلك، كمن مقاتلو حزب الله أمس لمجموعة من جنود الاحتلال أثناء دخولهم إلى موقع المالكية ‏واستهدفوهم بقذائف المدفعية وأصابوهم إصابة مباشرة.‏ كما هاجم الحزب تجمعات وانتشارات لجنود ‏العدو في محيط موقع بركة ريشة، وحرج حانيتا، ومحيط ‏موقع المالكية، ومحيط ‏موقع زبدين في مزارع شبعا، وحرج برعام، واستهدف بمحلّقة انقضاضية تموضعاً ‏لجنود العدو في موقع البغدادي، ومنصة ‏القبة الحديدية في ثكنة راموت نفتالي بصاروخ موجّه، ما أدى إلى تدميرها، إضافة إلى موقع ‏السماقة في تلال كفرشوبا.