لم يتحمّس الاتحاد الأوروبي يوماً لأخذ أي إجراء جدّي بحق أي دولة أو كيان انتهَك ميثاق الأمم المتحدة كما يتحمّس اليوم لطرد روسيا من مجلس الأمن الدولي. علماً أن معظم الدول الأوروبية دعمت وأيّدت وشاركت في الاجتياح الأميركي - الغربي للعراق وأفغانستان خلافاً لميثاق الأمم المتحدة. كما تحمي تلك الدول وتموّل الكيان الإسرائيلي الذي ينتهك مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العمومية ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي الاجتماعي. سقط القناع عن وجوههم الحقيقية، وتبيّن أن القانون الدولي، بالنسبة لمعظم الدول الغربية التي تدّعي الحرية والعدالة والرقيّ، مجرّد أداة لتحقيق مآربها السياسية وتأمين مصالحها مهما كان الثمن على الدول والشعوب الأخرى. لكن الحجج القانونية التي يتناولها الأوروبيون تبدو ضعيفة ولا يظهر أن طرد روسيا من الأمم المتحدة سيكون ممكناً.دعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل إلى طرد روسيا من مجلس الأمن الدولي رداً على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. واستند ميشيل إلى سابقة طرد الاتحاد السوفياتي من عصبة الأمم عام 1939 رداً على تقدّم الجيش الأحمر يومها باتجاه فنلندا. لكن طرد روسيا اليوم من الأمم المتحدة قد لا يكون بهذه البساطة، لأنه بموجب المادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة، يتطلب توصية من مجلس الأمن. ولا شك في أن الصين، وهي من بين الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس، ستعترض على التوصية. وبالتالي، يبحث أعداء روسيا اليوم عن سبل أخرى لتحقيق مآربهم، ويدرس الأوروبيون، على ما يبدو، سابقتين تتمثلان بطرد منظمة الأمم المتحدة لتايوان عام 1971، ولجنوب أفريقيا عام 1974. كما يفكرون بالمطالبة بنزع الصلاحيات التي كان يتمتع بها الاتحاد السوفياتي عن جمهورية روسيا الاتحادية.
شغل وفد تايواني مقعد جمهورية الصين منذ تأسيس الأمم المتحدة (1945) بسبب رفض الولايات المتحدة والدول الغربية الاعتراف بالنظام السياسي الصيني. لكن تبيّن في العام 1971 لأكثرية الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تغييب تمثيل الشعب الصيني لا يمكن أن يستمرّ، فقررت الجمعية نقل المقعد إلى حكومة الصين الشعبية. اقتضى ذلك تلقائياً، بالرغم من معارضة الدول الغربية، طرد تايوان من الأمم المتحدة إذ إنها ليست «دولة»، بل مجرّد جزيرة تسيطر عليها مجموعة تدعو إلى الانفصال عن الصين الشعبية.
وفي العام 1974، سعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى طرد جنوب أفريقيا بسبب نظام حكم «الأبارتايد» العنصري فيها، لكنها لم تنجح، فأعلنت منع جنوب أفريقيا من المشاركة في التصويت على قراراتها ومن الحديث خلال انعقاد الجمعية. ولا شك في أن هذا المنع يعدّ طرداً من الأمم المتحدة.
لم يجد الأوروبيون قواعد قانونية ومعايير إجرائية يمكن الاستناد إليها للشروع في طرد روسيا بالطرق نفسها التي طردت من خلالها تايوان وجنوب أفريقيا، فانتقلوا إلى البحث عن سبل أخرى أساسها نزع الصلاحيات القانونية التي كان يتمتع بها الاتحاد السوفياتي عن جمهورية روسيا الاتحادية. علماً أن المادة 17 من النظام الداخلي لمجلس الأمن تشير إلى أن «كل ممثل في مجلس الأمن تلقى وثائق تفويضه اعتراضاً في مجلس الأمن، يستمر في شغل مقعده متمتعاً بما يتمتع به الممثلون الآخرون من حقوق إلى أن يبتّ مجلس الأمن في الموضوع». والمقعد الذي تشغله روسيا حالياً هو مقعد الاتحاد السوفياتي عملاً بالمادة 23 (1) من ميثاق الأمم المتحدة. وبالتالي، فإن ممثل روسيا سوف «يستمر في شغل مقعده» في المجلس حتى يصوّت الأخير على اتخاذ قرار في هذا الشأن. لكن، قد تعترض الولايات المتحدة والدول الأوروبية في المجلس على أوراق اعتماد روسيا، ويُترك مقعد الاتحاد السوفياتي فارغاً. أو قد يقولون إن روسيا لم تعد تفي بشروط المادة 4 (1) من الميثاق، والتي تنصّ على أن «العضوية في الأمم المتحدة مباحة لجميع الدول الأخرى المُحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمّنها هذا الميثاق». لكن هناك خللاً أساسياً في قانونية هذا الاعتراض، إذ إن المادة 4 تتعلق بالقبول بالعضوية وليس بالطرد.
لم يجد الأوروبيون قواعد قانونية يمكن الاستناد إليها للشروع في طرد روسيا بالطرق نفسها التي طردت فيها تايوان وجنوب أفريقيا

أضف إلى ذلك أنه لم يشكُ أحد خلال ثلاثين عاماً من شغل روسيا الاتحادية مقعد الاتحاد السوفياتي. وبالتالي، لا يمكن الاعتراض الجدّي اليوم وإبطال تولّي روسيا مقعد الاتحاد السوفياتي. وإذا افترضنا أن الأمم المتحدة وافقت على عدم وجود أساس قانوني لروسيا للجلوس في مجلس الأمن في مقعد الاتحاد السوفياتي، فسيكون التشكيك ممكناً في قانونية كل القرارات التي اتخذها المجلس بين عامَي 1991 و2023.
أخيراً، لا بد من التذكير بتشكيل «رابطة الدول المستقلة» (1991) بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، وانضمام أوكرانيا وسائر الجمهوريات التي كانت جزءاً من هذا الاتحاد إلى الرابطة. وقد صدر عن «كومنولث» الدول المستقلة إعلان ألما آتا في 21 كانون الأول 1991، والذي نصّ على «دعم استمرار روسيا في عضوية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في الأمم المتحدة، بما في ذلك العضوية الدائمة في مجلس الأمن». وبالتالي، اتفقت جميع جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة على تولّي روسيا الاتحادية مقعد الاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة. أما بالنسبة للدول الأخرى، بما في ذلك الأعضاء الدائمون الأربعة الآخرون في مجلس الأمن، فقد ضُمنَت موافقتهم من خلال ترحيب كل منهم رسمياً بممثل روسيا الاتحادية. وقد انتقلت الأصول النووية الاستراتيجية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية إلى روسيا، كما انتقل جزء كبير من البحرية السوفياتية إليها. وكذلك بالنسبة إلى شبكة مرافق الإنذار المبكر التابعة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.



الاتحاد السوفياتي في الميثاق
ينصّ ميثاق الأمم المتحدة على وجود خمسة أعضاء دائمين في المجلس. ولكل عضو دائم حقّ النقض. وكما هو مذكور في المادة 23 (1)، فإن الأعضاء الخمسة الدائمين هم «جمهورية الصين، وفرنسا، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية». وقد تم حلّ الاتحاد السوفياتي عام 1991 بينما كانت روسيا واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي. وشغل ممثل روسيا الاتحادية مقعد الاتحاد السوفياتي منذ عام 1991. ومع ذلك، بقي نصّ المادة 23 (1) على حاله ولم يعدّل.