غسان شربل من «الحياة» إلى «الشرق الأوسط» | التطوّرات التي تشهدها جريدة «الحياة» اللندنية لم تعد خافية على أحد. وسط التغييرات الخجولة التي طرأت في الآونة الأخيرة وكثرة الحديث عن تركيزها على النسخة الإلكترونية على حساب الطبعة الورقيّة، تشكّل استقالة غسّان شربل من موقعه رئيساً للتحرير، أولى الإشارات الواضحة على التحوّلات المقبلة. الصحافي اللبناني الذي أمضى قرابة 13 عاماً في هذا المنصب، يستعد للانتقال إلى «الشرق الأوسط» السعودية، فيما لم يُعرف بعد ما إذا كان سيخلف رئيس التحرير السعودي سلمان الدوسري، أو يفصّل له منصب على قياسه. عبر موقعها الإلكتروني، أعلنت «الحياة» أمس الأربعاء قرار مالكها وناشرها، الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، تعيين الصحافي اللبناني زهير قصيباتي، رئيساً للتحرير و«إعفاء غسّان شربل من مهماته، بناءً على طلبه، بدءاً من تاريخه». تعذّر الاتصال بقصيباتي الذي كان يشغل حتّى الآن منصب مدير التحرير ومدير مكتب بيروت، إلا أنّ الأجواء حوله تشير إلى عدم وجود تبدلات في السياسة التحريرية للجريدة اللبنانيّة العريقة التي عاودت الصدور في 1988 من لندن مع ورثة كامل مروّة، قبل أن تصبح سعوديّة بعدما استحوذ عليها خالد بن سلطان. باختصار: «الرؤية التحريرية ثابتة ولن تتغيّر، ما دامت باقية تحت مظلّة سمو الناشر»، ينقل أحد الزملاء عن غرفة التحرير في بيروت.على ضفة «الشرق الأوسط»، برزت خلال الساعات الماضية تحليلات صحافية تفيد بأنّ عودة غسّان شربل إلى «الشرق الأوسط» تأتي في سياق «إخراج الصحيفة من المأزق الذي تعيشه» وإعادتها إلى سكة المهنية، بعيداً عن البروباغندا المباشرة، وخصوصاً بعد السقطة الأخيرة التي تمثّلت في نشر مقال بعنوان «الباسيج ومليونا إيراني لزيارة الأربعين... تحذير أممي من حالات الحمل غير الشرعي في كربلاء». حذفت الصحيفة السعودية الخبر عن موقعها، إثر الضجة الكبيرة التي حدثت في العراق على الصعيدين الرسمي والشعبي استنكاراً لمضمون النص، قبل أن تستغني عن خدمات مراسلها في العراق على خلفية نشره «تقريراً كاذباً ومفبركاً».
فضّل غسّان شربل عدم التعليق لـ«الأخبار» على الموضوع. لكنّ أحد الزملاء المقرّبين أكّد لـ«الأخبار» أنّ علاقته بناشر «الحياة» خالد بن سلطان «لا تزال جيدة جداً. لكنّه بدأ يشعر، منذ فترة بأنّه أمضى سنوات طويلة في المنصب نفسه». جاء شربل إلى «دار الحياة» من جريدة «الشرق الأوسط» التي يعود إليها اليوم، في عام 1993، وعمل نائباً لرئيس تحرير مجلّة «الوسط» التي كانت تصدرها الدار. ثم خلف زميله جورج سمعان في رئاسة تحريرها، بعد انتقال الأخير إلى رئاسة تحرير «الحياة». وعاد شربل فخلف سمعان على رأس جريدة «الحياة» في عام 2004. وقد أسرّ شربل لأكثر من صديق بأنّ «تجربته في «الحياة» استنفدت، وربّما من الأفضل إفساح المجال لشاب قد يحمل رؤية مختلفة وينتمي إلى مدرسة مغايرة». لم تتحقق أمنياته تماماً، بعد إعلان اسم خلفه في سدّة رئاسة التحرير، لكن من يدري؟
طبعاً، بمعزل عن أجواء غسان شربل، لا يستطيع المراقب المتمهّل لوضع الصحافة الورقيّة، وتحديداً المشاريع العربيّة الجامعة التي يموّلها الخليج، أن يعزل الاستقالة عن سياقها: فالمعروف أن «الحياة» تعاني مصاعب ماليّة منذ سنوات، إضافة إلى تراجع المكانة التي كانت تحتلّها هذه الصحيفة في المشهد الإعلامي العربي قبل عقدين. ومع خروج صاحبها وناشرها من الدائرة الحاكمة في السعوديّة اليوم، تراجعت حماسته واهتماماته، وكذلك استعداده لتحمّل الأعباء الماليّة الضخمة، والخسارات المتراكمة لهذا المشروع الإعلامي الموزّع بين لندن والرياض وبيروت. وكان الأمير خالد قد عيّن نجله فهد مسؤولاً عن الصحيفة، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، أي في الذكرى الخامسة والعشرين لانطلاقة «الحياة» الثانية. وخرجت وعود بالتحسين والتطوير… من دون أي نتائج ملموسة، حتّى إن العاملين في لندن يؤكدون أن رواتبهم لم تتحرّك، ولو بالحد الأدنى الذي هو مؤشر غلاء المعيشة حسب القوانين البريطانيّة.
وفي كانون الأوّل (ديسمبر) من العام الماضي، تأكّدت الأنباء المتداولة منذ سنوات، عن إغلاق المقرّ الرئيسي في العاصمة البريطانية مع نهاية عام 2016، تمهيداً لهدمه وبناء برج أو اثنين مكانه للاستخدام التجاري. على أن يتمّ الاستغناء عن الجزء الأكبر من المحررين والموظّفين، في لندن وبيروت، بعد وقف صدور النسخة الورقيّة، والاكتفاء بموقع إلكتروني يحمل اسم «الحياة»، وقد تم تعزيز هذا الموقع تدريجاً، ومركزه الحالي في دبي. تأخّرت الإجراءات المذكورة لفترة، بسبب البحث عن آليات الصرف وحجم التعويضات، لكن شبح الإقفال لا يزال يخيّم على الجميع… ما يجعل من مغادرة شربل مؤشراً سلبياً يزيد من القلق لدى زميلاتنا وزملائنا في لندن وبيروت. ويبدو أن غسّان شربل لم يكن مرتاحاً لهذه الخطة، لأنّه لا يحبّذ الذهاب إلى دبي، كما أنّ دوره رئيساً للتحرير «لم يعد مضموناً»، فضلاً عن أنّ الموقع الإلكتروني لـ«الحياة» المستحدث في دبي منذ نحو أربع سنوات، تابع مباشرة لمكتب رئيس مجلس إدارة شركة «مَكْشَف» (الشركة الأمّ لـ«دار الحياة») العميد السعودي المتقاعد عايض الجعيد. وهناك زميل مقرّب ـــ طلب عدم ذكر اسمه طبعاً ـــ عبّر عن ذلك القلق بقوله: «بدهائه الاستباقي المعروف، يقفز غسّان من السفينة قبل غرقها»! بعدما فقد الأمل بإمكان تحسين مستوى الصحيفة أو تطويرها أو حتى المحافظة على مستواها الحالي، فيما أدرك أنّها آيلة حتماً إلى الإغلاق أو التحوّل كلياً إلى الشبكة العنكبوتية.
في الوقت الذي يلف فيه الغموض والسرية والقلق مصير زملائنا وزميلاتنا في «الحياة» (راجع مقال الزميلة زكية الديراني على الموقع)، هل يسعنا أن نتفاءل على الأقل بوصول غسّان شربل المعروف بكفاءته ومهنيّته، إلى موقع قيادي في «الشرق الأوسط»؟ هل نراهن على الدور الذي سيلعبه في إعادة الاعتبار إلى المهنيّة، وترجيح كفّتها على حساب البروباغاندا والتحريض الطائفي اللذين أغرقا هذه الجريدة الناطقة باسم النظام السعودي، وتحديداً منذ اندلاع الأزمة السورية؟