في سنة 1964، كانت قد توطّدت صداقة عميقة بين الفنان ألبرتو جياكوميتي والكاتب الأميركيّ جيمس لورد. وحين زار هذا الأخير فرنسا في نفس السنة، وكان على وشك المغادرة، اقترح عليه ألبرتو أن يرسم له بورتريهاً، مؤكداً له أنّ ذلك لن يستغرق سوى ساعتين أو ثلاث ساعات، علماً أن الكاتب كان قد حجز تذكرة العودة إلى بلاده على رحلة جوية مبرمجة في اليوم التالي. لكنّ الساعات الثلاث المفترضة لرسم البورتريه تحولت، بسبب عمليات المحو والتعديل اللانهائية، إلى أيام ثم إلى أسابيع اضطر الكاتب خلالها إلى الاتصال مراراً بشركة النقل الجوي لتأجيل رحلته. كل تفاصيل وتعثرات هذا العمل البدائيّ على بورتريه منفلت موثّقة ببراعة في الفيلم الباذخ Final Portrait. ولا أدل على فرادة الرؤية الجوانية لجياكوميتي من الحوار التالي الذي دار بينه وبين جيمس لورد عندما جلس هذا الأخير وتموضع أمامه لأول مرة بكامل أناقته:— جياكوميتي: لوجهك شكل وحشيّ.
—لورد: يا للعجب.
— جياكوميتي: تبدو فعلاً مثل سفاح.

ملصق فيلم «البورتريه الأخير» (2017)


— لورد: أوه...
— جياكوميتي: في حال رسمتك كما أتصوّرك الآن، ورأى شرطيٌّ هذه اللوحة، سيتم وضعك في السجن فوراً.
— لورد (ظل صامتاً ومشدوهاً)...
— جياكوميتي: من الأمام تبدو وحشيّاً، ومن الجهة الجانبية تبدو مثل مختلّ.
— لورد: يا للعجب!
— جياكوميتي: من ناحية، ستدخل السجن، ومن الناحية الأخرى سيُوْدِعُونك مشفى الأمراض العقلية حيث سألحق بك على الأرجح...

* العنوان من وضع التحرير ـــ الرباط/ المغرب