بكأس لا تنفد، قبالةَ الفراغ
(إلى صلاح ستيتية)
بكأسٍ لا تنفد
ونظرةٍ لا ترتد
قبالة الفراغ
أسندُ يدي الى الريح
مفكّراً في مصدر الصمت
وسلالته،
في الصمت الذي يؤويه
ما مِن علامة على انتهاء هذه الطريق
ـ هذا ما أبحث عنه ـ
أنا طريق في الطريق
للطريق غايته هي أن يستمر
أن لا يقول وصلت

كنوافذ قطار مضاء، يتكرّر الى ما لا نهاية
ماراً بعابرين لا يأبهون
بأشجار، بمنازل مداخنها دافئة
ببرارٍ، بأنهار وأزهار، بصحارى
هذا هو سفَري
قطار غير آبه
على سكك لا تصل
إذْ ما مِن محطة أخيرة، منشودة.
المسافر هو الطريق
هو السفر، هو الوصول، هو البيت
وهو التشرّد
12. 8. 2014

لا شيء لديّ أقولهُ للّيل

لا أنشدُ الطريق
بل الساحة التي تلعب بها الريح أمامَ البيت
أو الرَّحبة المهملة لورشة معطّلة
حيث لا آثار لسوى الصمت
ولا علامة إلا تلك التي تقود الى العزلة
العزلة، ناصبة الفخاخ للصمت
ثمّةَ أقيم لا يحاذي أفكاري سوى الريح والشجرة التي تعترضها
وشيء من الشمس التي تقلّب بضوئها كلّ شيء
عليّ أن أعرض أفكاري...
لا شيء لديّ أقوله للّيل
وهاهما يداي مبسوطتان أمام النهار،
متخففتان من كلّ شيء.
أنا الذي أَنشدُ وضوح الريح
أترك للشمس والمطر
حريّة إتلافِ ستائري.
19. 8. 2014

كيفَ لي أن أكتبَ مثل الشعراء!

كيف لي أن أكتبَ مثل الشعراء
قصيدة أُدهش لها،
تُبدي شغفاً بالحجارة،
بكلّ ما هو مهمل
تجعل من المجرّد شيئاً ملموساً
كتدفّق النجوم في السماء!
تنحتُ من الظمأ جسداً نهرياً لامرأة تطاردها الأحلام
قصيدة تذكّر برائحة الخبز تمرُّ في بال الملايين،
منتظرةً الشروق
قصيدة تقف على حافة بحر العالم مع الصيادين في انتظار اهتزاز شباكهم
قصيدة من جوع وحب وماء
يسيل فيها الحبرُ بحراً
تُشَمُّ ملوحته على الورق
حتى ليمكن رصد قاربٍ عبرها.
15ـ 9. 2014

تمثيل

العالم يعيدُ تمثيل فظائعه
على مسرح الفجيعة
بالدم الحي
26. 9. 2014

تحت برج القوس

شظية كوكب ساهٍ، أنا
ولدتُ تحت برج القوس،
سهماً يعبرُ الضحكة الباردة لهذا العالم،
يتناهى إلى سمعي
تمزُّق اللغة
وتهشّم الكلمات
كزجاج يسقط على بلاط عارٍ.
16. 10. 2014
الإعلان عن قلبي
أُريد الإعلان عن قلبي
تحت مطر العالم
في جمْعِ فتيات
تسيل ضحكاتهن كينابيع
هناك أغسل أحزاني/ كثوب قديم
وأسلم إرادتي لهواء الحقول
18. 10. 2014

حياتي في مادة خيالاتها

في حانة يونانية محاطاً بموسيقى آتية من أزمنة غامضة.
في الأندلس متلفعاً بجلباب سائلاً عن ابن رشد.
في بغداد أو سامراء يدي تتلمس الجدران العتيقة تتخذها دليلاً وطريقاً كأعمى.
في حقلٍ ضاجٍ بالخضرة أركض لملاقاتكِ مهتدياً إليك بصوت المياه في سواقيها.
في مكتبة، تبدّت لي في حلم ما، أبحثُ عن كتاب مجهول لمؤلف مجهول،
بينما أنا هنا مشدودٌ إلى مكتبي،
بذات الصمت والهواء
على ذات الكرسي
وأمامي ذات الورقة البيضاء منذ دهور
أرقبُ حيواتي تتدفق في مادة خيالاتها
فيما أنا كخادمٍ أدوّن تمرّد أنايَ الأخرى فيّ.
26. 11. 2014

أُمنية

أمنيتي
أن أحوز دفتراً سحرياً، غير مرئي
مكتوبٌ به كلّ شيء
أعود له حين أشاء
ما مِن شيء إلا وله ذِكرٌ به
على مصطبة
قبالة مرج لا نهائي
أبسطُ دفتري
مستعيداً التواريخ والسيَر
الأبطال، الضحايا والجلادين
حتى سيَر الطيور والزهور والزواحف
أستعيدها،
نشأة الخلود
والتحاق الزرقة بالسماء،
بدايات الأنهار، عناوينها،
أسماء الشهور والأيام والأسابيع
بكلّ اللغات
الزمن في ساعة الرمل
القمر وتعريفه
المرأة والشعر والأبدية
قسوة الجمال
الاختراع الأعظم: الكلمة.
دفترٌ كالأبد
جنّة الحروف هو
بين دفتيه يسكن العالم.
5. 1. 2015

كيف تتخلص من أشباحك

لا حظتُ ازدحام الأشباح من حولي، كان شبحاً واحداً فقط في البداية. فقررت الانتقال الى منزل آخر على أمل بداية جديدة بدون أشباح. لم يكن المنزل الجديد، جديداً! فبناؤه يعود إلى قبل حوالى المائة عام، ومثل غيري أعرف، أنّ البيوت القديمة غالباً ما تكون «مسكونة»! لكن كنت أراهن على الحظ علّ هذا البيت يخالف هذه القاعدة، في نفس الوقت لا أريد ان أُخفي مكري، على القارئ، في عملية تبديل السكن هذه، مكر ينطوي على الانتقام. قلتُ إذا ما ظهر المنزل الجديد مسكوناً وحدث أن انتقلت أشباحي القديمة معي فسوف تصطدم لا محالة بالأشباح الجديدة. وهو ما حدث بالفعل منذ اللحظات الأولى التي وطئتُ بها المكان الجديد. كانت أصوات تكسير الأواني وسحل الأثاث الوهمي قائمة على قدم وساق، وخيّل إليّ، أن الصراخ بدأ يعلو أيضاً، لكن دون أن أستطيع الجزم بذلك! قلت لأهرب قبل تفاقم الأمور. استطعت الإفلات، وعلى مسافة استعدتُ بها شيئاً من الاطمئنان التفتُّ، لأرى من بعيد، البيت وقد بدأ يهتز. ابتسمت في سرّي لنجاح خطتي، تاركاً الأشباح لمصائرها.
20. 1. 2014
* شاعر عراقي