بعد نشر النسخة الموقّعة من عقد التدقيق الجنائي (forensic audit) المبرم بين وزارة المال اللبنانية وشركة ألفاريز آند مارشال (Alvarez & Marsal) على الموقع الالكتروني لوزارة المال، لا بد من تشريح أهم ما تضمّنه هذا العقد لتمكين المواطنين والمكلّفين من الوصول إلى المعلومات حول مواضيع مهمة ومصيرية تتعلق بحقوقهم ومستقبلهم وتحفيز التوعية والتثقيف المالي/القانوني وبلورة الوعي حول أهمية التتبع والشفافية والمساءلة والمحاسبة ضمن ما يُعرف بالديمقراطية التشاركية، لعلّ ذلك يساعد على كشف المستور وتسمية الأمور كما هي من دون مزايدات أو خجل. فبعد السجال الذي دار حول صلاحية وزارة المال في التوقيع، تبيّن أن هناك مجموعة مشاكل في هذا العقد تتطلب توضيحاً أو استلحاقاً يوضحها ويفسّر النقاط الغامضة أو الملتبسة فيه. فما الذي يلزم الشركة بتقديم تقرير طالما لم تحصل على ما يكفي من المعطيات التي تحتاج إليها، وما الذي يمنع تقديم مشروع قانون أو اقتراح قانون معجل مكرّر من أجل تعديل المواد المتعلقة بالسرية المصرفية التي قد يتم التذرّع بها لمنع هذه المعطيات عن الشركة، أو وضع العقد تحت إشراف النيابة العامة التمييزية لتذليل عقبات من هذا النوع؟ فهل هذا العقد يحفظ حقوق الدولة بدرجة مساوية لحفظ حقوق الشركة؟ وبناءً على أي قانون أعفيت الشركة من الضرائب؟ لماذا وُضعت قيود عن الإفصاح عن التقرير الذي ستقدمه الشركة بينما هناك قانون حق الوصول إلى المعلومات الذي يتيح الاطلاع على المعلومات التي لا تندرج في وقائع التحقيقات والمحاكمات السرية وما ينال من المصالح المالية والاقتصادية للدولة ولسلامة العملة الوطنية؟ ثمة الكثير من التساؤلات والالتباسات، وبعضها ضروري ومهم. في هذا الجدول نبيّن بعض هذه التساؤلات والحلول القانونية لها* للاطلاع على العقد يرجى زيارة موقع وزارة المال: أنقر هنا


المادة 1 (أ) و(ب)
المادة 10 (د)

● احتمال تذّرع شركة ألفاريز آند مارشال بالقوانين اللبنانية المرعية لعدم حصولها على ما يلزم من معلومات لإنجاز مهامها كون المواد المذكورة لا تلزم مصرف لبنان بموجب تزويد المعلومات الإضافيّة، كما حرّم العقد، على الشركة، الوصول مباشرةً إلى المعلوماتيّة والتدقيق فيها. ثمة إشارة واضحة إلى النصوص الإلزاميّة أو المتعلّقة بالنظام العام في القانون اللبناني يقصد بها قانون السرية المصرفية، وقانون النقد والتسليف (المادتان 44 و151). وقد اعتبر العقد أن موجب التقيد أو الأخذ بالقوانين اللبنانية هو شرط جوهري للتعاقد، ما من شأنه عدم تحميلها المسؤولية أو إلزامها بالمضي قدماً في حال شكّلت تلك القوانين عائقاً.

■ قانون السريّة المصرفيّة تاريخ 3/9/1956 يلحظ استثناءات يمكن استعمال بعضها ومنها:
أ- استناداً إلى المادة 2 من القانون، يمكن الطلب من الجهة المستفيدة (تدريجياً المصرف المركزي وصولاً إلى المصارف والعملاء) إعطاء الإذن الخطّي المسبق بإفشاء ما يعرفونه وجميع المعلومات وجميع الوقائع التي تتعلق بالمواضيع المشمولة بالتدقيق الجنائي.
ب- الاحتكام إلى المادة 7 من القانون بحيث لا يمكن للمصارف (ومنها المصرف المركزي) أن تتذرّع بسرّ المهنة المنصوص عليه في هذا القانون بشأن الطلبات التي توجّهها السلطات القضائية في دعاوى الإثراء غير المشروع المقامة.
- التعويل على قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44 بحيث يعود لهيئة التحقيق الخاصة رفع السرية وتلقي الإبلاغات وإجراء التحقيقات التي يشتبه في أنها تشكل جرائم تبييض أموال وتقرر مدى جديّة الأدلة والقرائن ومدى لزوم اتخاذ القرار المناسب ولا سيّما التجميد الاحترازي المؤقت للحسابات. كما يعود لها أيضاً التحقق من قيام المعنيين المشار إليهم في المادتين الرابعة والخامسة من القانون (ولا سيّما المصارف والمؤسسات المالية) التقيد بالموجبات القانونية والنصوص التنظيمية الصادرة بالاستناد إليها. وعلى الحكومة في هذا الإطار التواصل بصورة مباشرة، خارج سياق العقد، مع مجموعة Egmont Group للإشراف على مدى التزام هيئة التحقيق الخاصة بالقواعد الإلزامية التي تنظم عملها.
- التقدم بمشروع قانون و/أو اقتراح قانون معجّل مكرر لتعديل المواد ذات الصلة في قانون النقد والتسليف والسماح بإجراء التدقيق الجنائي بمعزل عن أي قيد أو شرط أو عائق أو حتى إلغاء السرية المصرفية بالمطلق (قبل العقد العادي في تشرين الأول المخصّص لدرس وإقرار الموازنة). كل ذلك مع حملة توعية إعلامية وإعلانية للضغط على المراجع المختصة.
- وضع العقد تحت إشراف النيابة العامة التمييزية للتدخل والقيام بما يلزم لتذليل المعوقات عند الحاجة ورفع السرية عند الاقتضاء عملاً بما تجيزه القوانين المرعية.


المادتان 1 و2
● ترتكز مهمة شركة ألفاريز آند مارشال بصورة أساسية على تقرير مبدئي تقدّمه عن نتائج التدقيق الجنائي للحسابات لدى مصرف لبنان وأنشطته من دون توضيح ما يقتضي أن يتضمّنه هذا التقرير كحدّ أدنى لجهة المخالفات والجرائم المحتملة. هذا يعني أن التقرير، من شأنه في حال عدم تعاون المصرف المركزي أو امتناعه عن تزويد وزارة المال بالمستندات لاكتشاف الجرائم والمخالفات، أن يفي بالغرض (المحدود والمبهم)، ويخوّل الشركة تحصيل ما هو متوجب من أتعاب مع ما يستتبع ذلك من نتائج لجهة إبراء ذمة المصرف والحسابات والمخالفين المحتملين المتوارين، كما التضليل والإيحاء بأنه لا توجد مخالفات؛ ناهيك بفتح الباب واسعاً لطلب تقرير إضافي ثانٍ يتم إبرام عقد جديد بخصوصه وتحديد مخصّصات إضافية تزيد من أعباء الخزينة ودون تحديد إذا ما كان يقتضي عندها العودة إلى مجلس الوزراء للاستحصال على موافقته، كما الاستحصال على إذن أو موافقة خاصة لعقد نفقة غير ملحوظة ومرصودة في الموازنة.

● كيف تم تحديد الدفعة الأولى من بدل أتعاب الشركة بنسبة 40% من قيمة العقد الإجمالية فيما المبلغ المترتّب في حال ارتأت أنه يتعذّر عليها اتخاذ قرار بدء المهمة هو 150,000 دولار أميركي؟

■ الحل يكمن في التقيّد بالأعراف والأصول العقدية المتبعة في كلّ الحالات المشابهة للتدقيق الجنائي التي تحدّد مرحلتين للتدقيق ينتج منهما تقريران: تقرير مرحلي يبيّن مراحل تقدم الأعمال والمعوقات التي تواجهها الشركة، وتقرير نهائي يبيّن نتائج التحقيق بصورة واضحة لا لبس فيها، وهما مشمولان بالأتعاب والمخصّصات المتوافق عليها أصلاً وسائر الأحكام الأخرى. وللدلالة، يمكن مراجعة أحد تقارير المماثلة من شركة كرول (Kroll Independent audit related to loans contracted by ProIndicus S.A., EMATUM S.A. and Mozambique Asset Management S.A. - 23 June 2017). لذا، يصعب عندها التذرع بالمعوقات وبعدم إمكانية الوصول إلى البيانات أو المعلومات. مع الإشارة إلى أنه يقتضي في السياق نفسه إدراج شروط معلّقة أو تعلّق تنفيذ العقد وإستحقاق الأتعاب وانقضاء المهل إلى حين تذليل العقبات. ولا يضير في أي حال، إلزام الشركة في تقريرها بتبيان وتحديد الأسباب والمعوقات التي حالت دون تنفيذ المهمة صراحة.

■ كان يقتضي تحديد الدفعة الأولى بقيمة 150,000 دولار أميركي لا غير؛ وعند الاقتضاء، سلفة على المصاريف.


المادة 2 (ب) التعويضات
● لا يخوّل العقد إلا شركة ألفاريز آند مارسال حق إنهاء الاتفاقية بصورة أحادية وذلك، بسبب عدم قدرتها على اتخاذ قرار بدء المهمة نتيجة لقصور إتاحة المعلومات مع إعطائها الخيار بالاستحصال على مبلغ 150,000 دولار أميركي زائد المصاريف، أو عدم فسخ وإنهاء العقد ومتابعته للحصول على المبلغ الكامل.

■ حفاظاً على حقوق الدولة اللبنانية وأموالها، وإحقاقاً لمبدأ المساواة والتوازن العقدي، يقتضي منح وزارة المال الحق نفسه بإنهاء العقد بصورة مسبقة في حال عدم التمكن من الحصول على المعلومات التي تسمح ببدء المهمة. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن أعمال التدقيق الجنائي تسمح عادةً بطلب معلومات والاستحصال على مستندات والاستماع إلى إفادات من جهات أخرى ذات صلة بالمهمة، وهذا ما هو غير متاح ومتوفر في العقد الحاضر ويقتضي لحظه بوضوح.


المادة 2 (ج)
● يلحظ العقد أن العميل (وزارة المال) يوافق على أن الأتعاب لا تشمل أي ضريبة مقتطعة أو أي ضرائب أخرى في لبنان وأن العميل (شركة ألفاريز آند مارسال)، إلى الحد الذي تطبق فيه أي ضرائب من هذا القبيل في لبنان، هو من يتحملها. كما يسمح بأن تسدّد جميع المدفوعات المستحقة لشركة ألفاريز آند مارسال من دون اقتطاع أو خصم لحساب أي ضرائب على الإطلاق.

■ يقتضي أن يوضّح العقد هنا عمّا إذا كان المقصود إعفاء شركة ألفاريز آند مارسال من أيّ مترتبات ومتوجبات ضريبية، وفي هذه الحالة تسجل مخالفة دستورية مهمة كون المادة 82 تنص على أنه «لا يجوز تعديل ضريبة أو الغاؤها إلا بقانون». وتسجّل مخالفة ثانية متمثلة بالطعن بمبدأ المساواة أمام الضريبة والواجبات العامة المنصوص عنه في كل من الفقرة (ج) والمادة 7 من الدستور اللبناني ما يجعله قابلاً للطعن أمام المجلس الدستوري. وتسجّل أيضاً مخالفة ثالثة لمبدأ إقليمية الضريبة المكرّس بموجب المادة 3 من قانون ضريبة الدخل (المرسوم الاشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته) أو أي معاهدة ضريبية لتفادي الازدواج الضريبي يكون لبنان قد وقّعها مع الدولة التي تسجلت فيها الشركة أو اتخذت فيها مركزاً رئيساً (بعد تحديد تلك الدولة). وفي الحالتين تقتضي العودة إلى المجلس النيابي وكذلك في حال قرّرت وزارة المال تحمّل عبء ووزر الضرائب المترتبة عوضاً عن الشركة. أما إذا كان هذا الإقرار ناتجاً عن أحكام معاهدة ضريبية لتفادي الازدواج الضريبي (هنا قد تكون الاتفاقية بين لبنان والإمارات العربية المتحدة الصادرة بالقانون رقم 42 تاريخ 1/3/1999 هي المرجحة نظراً لاتخاذ الشركة الموقّعة محل إقامة مختاراً لها في دبي ما يوحي أنها مسجلة هناك)، فيقتضي عندها الإشارة إلى ذلك بصورة واضحة وأكيدة في العقد وإلزام الشركة بإثبات تسجيلها وخضوعها للضريبة في الإمارات عملاً بأحكام المادة 7 من المعاهدة كما المادة 2 من قانون أصول المحاكمات المدنية والمادة 3(2) من قانون الإجراءات الضريبية. علماً بأن شركتَي «أوليفر وايمان»، و«ك بي أم جي» لم تستفيدا من المعاملة التفضيلية نفسها.


المادتان 5 و7
● لقد وضع العقد قيوداً على نطاق وإمكانية نشر والإفصاح عن التقرير وحصرها بحالات معينة، كما في بعض الحالات اشترط موافقة شركة «ألفاريز آند مارسال».

■ هذا مخالف لروحية وأهداف التقرير وللقوانين المرعية الإجراء، وخصوصاً لجهة نشر النتائج تطبيقاً لمبدأ الشفافية ولقانون الحق في الوصول إلى المعلومات رقم 28 تاريخ 10/02/2017 الذي ينص على أنه «يحقّ لكل شخص، طبيعي أو معنوي، الوصول إلى المعلومات والمستندات الموجودة لدى الإدارة والاطلاع عليها، وفقاً لأحكام هذا القانون، مع مراعاة عدم الإساءة في استعمال الحق». ويدخل في هذا النطاق، المؤسسات العامة والهيئات الإدارية المستقلة وسائر أشخاص القانون العام (في حال اعتبرنا أنها لا تدخل ضمن استثنائي: (i) وقائع التحقيقات قبل تلاوتها في جلسة علنية، والمحاكمات السرية، والمحاكمات التي تتعلق بالأحداث وبالأحوال الشخصية؛ (ii) ما ينال من المصالح المالية والاقتصادية للدولة وسلامة العملة الوطنية). ويتوجب على الإدارة بموجب القانون نفسه أن تنشر حكماً على مواقعها الإلكترونية جميع العمليات التي بموجبها يتم دفع أموال عمومية تزيد عن 5 ملايين ليرة لبنانية.


المادة 9
● لحظت هذه المادة بنداً تحكيمياً ينص على إحالة أي خلاف أو مطالبة تنشأ عن العقد أو في ما يتعلق به، إلى قواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية وتتم تسويته بموجبه.

■ عملاً بالمادة 762 من قانون أصول المحاكمات المدنية: «... يجوز للدولة ولأشخاص القانون العام أياً كانت طبيعة العقد موضوع النزاع اللجوء إلى التحكيم... إلا أن البند التحكيمي أو اتفاق التحكيم لا يكون نافذاً في العقود الإدارية إلا بعد إجازته بمرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء بناءً لاقتراح الوزير المختص بالنسبة إلى الدولة أو سلطة الوصاية بالنسبة إلى الأشخاص المعنويين من القانون العام». فهل جرى استصدار هكذا مرسوم بالخصوص المذكور؟


الملحق 1: (نطاق العمل/ الإطار الزمني)
● لحظ هذا الملحق تسليم التقرير إلى العميل (وزارة المال) بعد 10 أسابيع من قرار البدء (أي بعد أربعة أسابيع كأقصى حدّ وفقاً للمادة 1 (ب)).

■ هذا غير منطقي وغير عملي وغير موضوعي ويتعارض تماماً مع الأعراف والأمثلة في العالم والحالات المشابهة، فالتدقيق الجنائي المحصور بموضوع معين، يستغرق عادةً أشهراً عدّة كونه يرتكز ويدقّق في كل تفصيل وشاردة وواردة وليس على أساس العينات كما هي الحال في التدقيق المحاسبي العادي.

* محام وأستاذ محاضر في قانون الضرائب ورئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين (ALDIC)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا