بغداد | دخلت الأزمة السياسية بين بغداد وأربيل منعطفاً جديداً، بعد انسحاب «الحزب الديموقراطي الكردستاني» من الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في الإقليم في العاشر من حزيران المقبل، فضلاً عن تهديده بمقاطعة العملية السياسية في العراق برمتها، احتجاجاً على قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة، الخاصة بتعديل قانون انتخابات برلمان كردستان، وإلغاء مقاعد «الكوتا»، وكذلك توطين رواتب موظفي الإقليم في البنوك العراقية. وتتّجه معظم القراءات السياسية إلى أنّ خطوة «الديموقراطي» جاءت للضغط على حكومة بغداد بهدف دفعها إلى التنازل عن فكرة توطين الرواتب، وتأجيل موعد الانتخابات إلى السنة المقبلة، فضلاً عن إحراج الإدارة المركزية أمام المجتمع الدولي. وكانت قد أصدرت المحكمة الاتحادية، في شباط الماضي، قرارات بشأن قانون الانتخابات البرلمانية في كردستان، تضمنت إلغاء «الكوتا»، وحلول المفوضية العليا للانتخابات الاتحادية بدلاً من سلطات الانتخابات في الإقليم، بالإضافة إلى تقسيم الأخير انتخابياً إلى أربع دوائر، بدلاً من الدائرة الواحدة. غير أن تلك القرارات قوبلت برفض زعيم «الديموقراطي»، مسعود بارزاني، الذي اعتبر ذلك ضرباً للشراكة والتعايش الوطني.وتقول مصادر سياسية كردية، لـ«الأخبار»، إن قرار مقاطعة الانتخابات جاء كرد فعل على خسارة الحزب 11 مقعداً من مقاعد «الكوتا»، وأيضاً قرابة نصف مليون صوت انتخابي من النازحين والعرب «كان يستخدمها للتزوير والحصول عليها بطريقة غير شرعية في المناطق المختلطة وسهل نينوى وخانقين». وتوضح المصادر أن «خطوة الانسحاب جاءت على مراحل: الأولى انسحاب القاضي الكردي عبد الرحمن زيباري من عضوية المحكمة الاتحادية قبل أيام؛ والثانية تهديد الحكومة المركزية بعدم دعمها سياسياً عبر مغادرة ائتلاف إدارة الدولة؛ والثالثة عدم الالتزام بالاتفاقات المبرمة والتي معظمها يتعلق بالإيرادات النفطية والمنافذ الحدودية». وتعتبر أن «مثل هذه القرارات ستأخذ الإقليم إلى جملة من الأزمات. وربما الانسحاب قبل موعد الانتخابات هو مؤشر خطير في ما يتعلّق بالعملية السياسية الكردية، ولكن هدفه واضح جداً (...)».
من جهتها، عبرت سفارة الولايات المتحدة لدى العراق، عن قلقها بسبب إعلان «الديموقراطي» مقاطعة الانتخابات. وقالت السفيرة ألينا رومانسكي، في منشور على موقع «إكس»، «إننا نحث الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان على ضمان أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وشفافة وذات مصداقية». وبينما دعت أطراف سياسية من «الإطار التنسيقي»، «الديموقراطي»، إلى العدول عن قرار الانسحاب من الانتخابات، قائلة إن الخلافات السياسية تُعالج عبر الحوار والتفاهم، أيّدت الأحزاب التركمانية ومن بينها «حزب التنمية»، المطالبة بتأجيل الانتخابات البرلمانية.
«الديموقراطي» وجد نفسه محاصراً داخلياً من الأحزاب الكردية الأخرى، وخارجياً من الحكومة الاتحادية


وفي هذا السياق، يقول النائب عن «الديموقراطي»، محما خليل، إن «القرار جاء رداً على تصرفات الإدارة المركزية وقرارات المحكمة الاتحادية، والتي تخالف النظام الديموقراطي في العراق». ويرى خليل، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الاستهداف واضح من قبل القوى السياسية في بغداد، وخاصة في ما يتعلّق برواتب موظفي الإقليم التي تتضمّنها الموازنة الاتحادية»، معتبراً أن «هذه الأفعال تنافي مبادئ الشراكة الوطنية». ويبيّن أن «انسحابنا من الانتخابات البرلمانية هو مراعاة لشرعيتها بعد إلغاء الكوتا»، مشيراً إلى أن «هذا الإلغاء قد يؤثر سلباً على العملية الديموقراطية، فضلاً عن إلحاق الظلم والجور بشعبنا الكردي».
في المقابل، يرى القيادي في «ائتلاف النصر»، أحد أطراف «التنسيقي»، سلام الزبيدي، أن «الأزمة داخل إقليم كردستان ليست جديدة، وإنما تعود إلى عام 2014 حين اشتد الصراع والتنافس وخاصة بين الحزبين الحاكمين، الديموقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني». ويلفت الزبيدي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الانسحاب من الانتخابات جاء بعدما رأى الحزب الديموقراطي نفسه محاصراً داخلياً من قبل الأحزاب الكردية الأخرى بإلغاء الكوتا، وخارجياً من قبل الحكومة الاتحادية عبر توطين رواتب موظفي الإقليم ومطالبته بالإذعان لقرارات المحكمة الاتحادية». ويتوقّع أن «تتفاعل الأزمة داخل الإقليم أكثر. وربما ستُؤجل الانتخابات لأنّ الديموقراطي يُعتبر من الأحزاب الكبيرة داخل كردستان، وهو لا يريد أيضاً أن يعطي الفرصة لحزب الاتحاد الوطني لزيادة حصته البرلمانية». ويؤكد أن «الحكومة الاتحادية ملتزمة وستبقى جادة في خطواتها لتحقيق العدالة الاجتماعية، وإنصاف الطبقات المتوسطة، وخاصة طبقة موظفي كردستان الذين تذهب أموالهم إلى الحزب الديموقراطي وليس إلى مستحقيها»، مشيراً إلى أنّ «قرار انسحاب الديموقراطي هو رد على ما يعتبره تقليصاً لصلاحياته داخل الإقليم وخسارة جزء من مكتسباته ونفوذه».