من الممكن القول إن وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) كانت أكثر وحشية مما هو معترف به، وهي لم تستخدم طرق استجواب تؤدي إلى معلومات مفيدة. هذا ما خلص إليه تقرير نشره الكونغرس، أمس.التقرير الذي طال انتظاره، حول أساليب الاستجواب القسرية التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية، بعد هجمات 11 أيلول وخلال فترة رئاسة جورج بوش، أشار إلى أن أساليب استجواب الـ«سي آي إيه» كانت غير فعالة ولم يتم استخلاص معلومات استخبارية تساعد في الحفاظ على الأرواح. كذلك بيّن أن برامج الاستجواب كانت أعنف ممّا كشفته الوكالة للبيت الأبيض ووزارة العدل والشارع الأميركي.

وألقى التقرير الضوء على أن 119 محتجزاً خضعوا لبرامج استجواب الاستخبارات الأميركية، 26 منهم كان احتجازهم خاطئاً. وأشار إلى أن الوكالة أدارت هذه البرامج بشكل ضعيف، بما في ذلك من ضياع معلومات المحتجزين وأخذ معلومات غير صحيحة، أدت إلى ضياع الوقت والجهد.
وكانت الإدارة الأميركية قد سعت إلى عرقلة نشر هذا التقرير، ومن ثمّ محاولة التخفيف من وطأة ما يحويه من معلومات في صفحاته التي يصل عددها المنشور إلى 480 من أصل 6 آلاف صفحة بقيت سريّة. ووفق ما كشف مصدر في البنتاغون لشبكة «سي أن أن»، أول من أمس، فقد تمّ وضع 4200 من عناصر قوات البحرية الأميركية «المارينز» على أهبة الاستعداد في الشرق الأوسط، في انتظار إصدار الكونغرس لتقريره. وأوضح المصدر أن الألفي عنصر هم جزء من قوة تدخل سريع احتياطية، موضحاً أن هناك من يعمل في الوقت الحالي في العراق والكويت، إلى جانب 2200 عنصر آخرين موجودين على متن عدّة سفن في بحر العرب وخليج عدن. وأضاف أن «هناك ثلاث فرق يتكوّن كل منها من 50 جندياً موجودة في كل من إسبانيا والبحرين واليابان»، لافتاً الانتباه إلى أن هناك أيضاً ألفي عنصر في إيطاليا وإسبانيا.
وفي موازاة ذلك، كانت الحكومة الأميركية قد حذّرت مجلس الشيوخ من نشر التقرير. واتصل وزير الخارجية جون كيري برئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، دايان فينشتاين، مؤكداً أن «نشر التقرير في هذا الوقت قد يُشعل أعمال عنف جديدة في الشرق الأوسط ويعرّض جهود مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية للخطر».
ورداً على نشر التقرير، أمس، تذرّعت وكالة الاستخبارات المركزية بأن العديد من الأخطاء تشوبه، معتبرة أن برامج الاستجواب المتبعة أثبتت جدواها.
أما الرئيس، باراك أوباما، فقد ندّد بما اعتبره وسائل «مخالفة» لقيم الولايات المتحدة. وقال في بيان: «يصف هذا التقرير برنامجاً يثير القلق، ويزيد من اقتناعي بأن هذه الوسائل القاسية لم تكن مخالفة لقيمنا فقط ولكنها لم تكن مفيدة لجهودنا في محاربة الإرهاب». وأشار إلى أن «هذه التقنيات لطّخت كثيراً سمعة أميركا في العالم»، واعداً بالقيام بكلّ ما هو ممكن لضمان عدم تكرارها، ومضيفاً أنه «لا توجد أمة كاملة، لكن أحد مكامن القوة في أميركا هو في إرادة المواجهة الصريحة لماضينا ومواجهة النواقص والتغيير باتجاه الأفضل».
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن صدور تقرير مجلس الشيوخ يؤكد أن إحدى نقاط قوتنا هي «الاعتراف بالخطأ وتصحيح المسار». وأكد في بيان أنه «كان من الصواب وضع حدّ لهذه الممارسات لسبب بسيط ولكنه قوي: أن تلك الممارسات كانت بعكس قيمنا. هذه الممارسات ليس ممثلة لنا، أو حتى توضح ما يجب أن نكون عليه، لأن أقوى دولة على وجه الأرض لا ينبغي عليها أن تختار بين حماية أمنها وتعزيز قيمها».
وفي سياق ردود الفعل أيضاً، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى «ضرورة إعمال مبدأ المحاسبة». وقال المتحدث الرسمي باسمه، في مؤتمر صحافي، إن «موقف بان كي مون من موضوع التعذيب واضح، وقد عبّر عنه في أكثر من مناسبة، وهو يؤكد على ضرورة إعمال مبدأ المحاسبة».
كذلك، علّقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» على تقرير الكونغرس، بالإشارة إلى إنه «يبيّن أن الحديث عن ضرورة أخذ تدابير قاسية لحماية الأميركيين ليس سوى ضرب من الخيال». وقال المدير التنفيذي للمنظمة، كينيث روث، إن هذا التقرير «يجب أن يدحض وإلى الأبد نفي وكالة الاستخبارات المركزية لضلوعها في التعذيب الذي يعتبر عملاً إجرامياً ولا يمكن أبداً أن يبرّر».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)