بول الأشقرخاص بالموقع - من المعروف أنّ حركة التغيير التي اجتاحت أميركا الجنوبية لا تنفصل عن استقلال حركة الشعوب الأصيلة الهندو ـــــ أميركية وانتظامها وتحوّلها إلى لاعب أساسي، وخصوصاً في دول سلسلة جبال الأندس مثل بوليفيا، حيث يمثّلون حوالى ثلثي السكان، والبيرو والإكوادور، حيث هم تقريباً النصف والثلث تباعاً. وإذا كان هذا الوعي الهندي يُترجم بـ «صعود ثقافي»، فإنّ دخول لاعب جديد لم يكن يُحسب له حساب، يطرح على جميع الأنظمة، ومنها التقدمية، وحتى «الهندية»، أسئلة صعبة لا أجوبة جاهزة عليها. احتفلت بوليفيا قبل ثمانية أيام بعيد «رأس السنة» لعام 5518 حسب التقويم الشمسي لشعب الأيمارا، أحد أكبر شعبي الهنود البوليفيين مع الكيشوا. ويتألف التقويم من 13 شهراً ويوم واحد خلال ثلاث سنوات، قبل أن تليها سنة رابعة من 13 شهراً ويومين. ويجري الاحتفال بوصول فصل الشتاء في منطقة المعابد في تيواناكو، حيث يستقبل المؤمنون ـــــ يتقدمهم الرئيس موراليس ـــــ أول أشعّة الشمس، فيما يعبّر الكهنة الهنود عن شكرهم للباشاماما (الأم الأرض). ولأول مرة منذ تأسيس دولة بوليفيا، تحوّل العيد إلى عطلة رسمية كما ينصّ الدستور الجديد.
ووفقاً للنص المرجعي الجديد، أصدر الرئيس البوليفي، إيفو موراليس، خلال الأسبوعين الأخيرين عدداً من القوانين، منها إعادة توزيع الصلاحيات بين مستويات الإدارة الذاتية على مستوى المحافظات والبلديات والشؤون الهندية، ومنها ضرورة أن يمتلك الموظفون العامّون لغة هندية إلى جانب اللغة الإسبانية. كما أقرّ قانون ترقية السلطة الانتخابية إلى «سلطة رابعة»، وأيضاً قانون إعادة تنظيم القضاء، الذي يتضمّن تعيين وسيط ومدافع عام في جميع المناطق، إضافةً إلى الاعتراف بـ«القضاء التقليدي الهندي». وهذا القانون الأخير يثير تحفّظات في بعض الأوساط القضائية التي ترى فيه «تحطيماً لوحدانية القانون».
كل شيء ليس على ما يرام بين إيفو موراليس وكلّ الشعوب الهندية، وخصوصاً الذين يعيشون في المنطقة الأمازونية ويمثّلون 5 في المئة من السكان، ويتكلّمون 36 لغة. وقد استغلوا العطلة الرسمية لإطلاق مسيرة من 1450 كلم ستشق طريقها خلال أشهر قبل الوصول إلى لاباز. وتطالب المسيرة بإعطاء الشعوب الهندية حقّ النقض على المشاريع المنوي إنشاؤها على أراضيهم التاريخية. وفي هذه الحالة التنقيب على النفط. وهم يرون أنها قد تهدّد نمط عيشهم التقليديرصيد موراليس سمح بتحييد عدد من اتحادات هنود الأمازون، وجعله يبدأ مفاوضات مع قيادات محليّة للاتحادات الباقية التي أصرّت على التظاهرة في محاولة لفصلها عن قياداتها المركزية، التي يرى موراليس أنها «تحوّلت أداة مشبوهة تتلاعب بها وكالة التنمية الأميركية (USAID)»، ليمثّل اتهامه على الأرجح موضوع خلاف جديد بينه وبين الولايات المتحدة.
وفي الإكوادور، يعاني الرئيس رافائيل كوريّا، حيث الدستور الجديد كرّس أيضاً الحقوق الهندية، خلافاً ممائلاً مع اعتراض الشعوب الهندية على قانون للمياه ترى فيه «تعدياً على مواردها المائية، وتعبيداً للطريق أمام أنواع من الخصخصة». وهو أمر تنفيه الحكومة بشدّة. وقد وقع قتيل في صدامات نهاية العام الماضي نتيجة هذا الخلاف، قبل أن يقرّر المجلس الدستوري الشهر الماضي ضرورة استشارة الشعوب المعنية بالمشاريع المنوي القيام بها على أراضيها، أو المتعلقة بمواردها الأساسية.
أما في البيرو، وفي واقع سياسي مختلف تماماً، ولكن ضمن الإشكالية نفسها، فقد لجأ الرئيس آلان غارسيا، إلى حقه في عدم توقيع القانون الذي يفرض استشارة الشعوب الهندية في المشاريع الاقتصادية والإنمائية داخل مناطقهم التقليدية. ويعود الآن إلى الكونغرس تكريس القانون بالإصرار عليه دون الأخذ بملاحظات غارسيا، الذي برّر موقفه بالقول «لا أستطيع أن أسمح بأن تحظى الشعوب الهندية بحق النقض لمنع تطور البلد الاقتصادي»، فيما قالت القيادات الهندية إنّ موقف غارسيا يتناقض مع البروتوكول رقم 169 لمنظمة العمل الدولية الذي وقّعته البيرو. وكان الرئيس غارسيا قد حاول قبل سنة تعديل شروط قيام مشاريع اقتصادية في مجالَي التنقيب على المعادن والنفط داخل منطقة الأمازون، لجهة تخفيفها وجعلها متطابقة مع اتفاقية التجارة الحرة الموقّعة مع الولايات المتحدة. وقد نشبت حالة انتفاضية في هذه المناطق، أدّت إلى تدخل الشرطة، ومقتل أكثر من 30 هنديّاً. وبدأت مفاوضات بين ممثلي الهنود والكونغرس، أدت إلى مشروع القانون الذي اعترض عليه غارسيا نهار الخميس الماضي.
في المجال الثقافي، الموضوع يبدو أسهل، وقد كرّست قمة «البا» العاشرة، التي باتت تضم 8 دول، بعد خروج هندوراس منها، العلاقات بين الثقافات، أي العلاقات بين الدولة القطرية والشعوب الهندية الأصيلة في دول جبال الأندس والأمازون، وبينها وبين الشعوب الزنجية في دول الكاريب. والقمة التي عُقدت نهاية الأسبوع في كيتو الإكوادور حضرها عدد من الرؤساء، بينهم تشافيز وكوريا وموراليس مع مئات من مندوبي المجتمعات المدنية ورؤساء البلديات والموظفين العامين الهنود أو الزنوج. وقد ترك الموضوع بصماته على البيان الختامي الذي حمل عنوان «إعلان أوتوفالو». وأكد ضرورة «تعميم السياسات المتعددة الثقافات في سياسات الدول»، إلى جانب «ضمان الحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للشعوب الأصيلة والزنجية، ومشاركتهم في أخذ القرار». وخلص إلى التشديد على «حماية أطر عيش الشعوب الهندية وسكنها».