زوارة | «زوارة الليبية»، مدينة ساحلية يقطنها أكثر من 45 ألف نسمة، أغلبهم من الفئة الشبابية التي تعاني كثيراً من البطالة ومن قلة فرص العمل ــ مثل غالبية الشباب الليبي. تُعتبر هذه البطالة سبباً يجعل بعضاً من سكان هذه المدينة يلجأون إلى العمل بكل المجالات لتحسين أوضاعهم الاقتصادية. من بين هذه الأعمال المشروع وغير المشروع كتهريب المهاجرين (الحل السحري).
ولمدينة زوارة خصوصية باعتبارها أقرب نقطة ليبية للانطلاق باتجاه السواحل الإيطالية، إذ تبلغ المسافة بينها وبين جزيرة لامبيدوزا نحو 220 ميلاً (354 كم)، فيما يعتمد زمن الرحلة على حجم المركب وقوة المحرك وعدد الركاب وحالة الطقس.
الفراغ الأمني والصراع السياسي في ليبيا منذ اندلاع «ثورة فبراير» عام 2011، يعتبران من أهم الأسباب التي ساعدت في ارتفاع وتيرة الهجرة غير الشرعية، مقارنة بوتيرتها أثناء حكم معمّر القدافي. وكانت الوتيرة أقل في هذه المدينة وفي بقية المدن الساحلية التي تقع غرب البلاد تحت سلطة «المؤتمر الوطني العام» القائم في طرابلس والذي يحكم سيطرته عليها الآن.
وليست زوارة البوابة الوحيدة للمهاجر؛ رحلات الهجرة غير الشرعية تنطلق من أغلب المدن الساحلية الليبية (مثل طرابلس وصبراتة وتاجوراء وغيرها). كذلك، هي ليست البوابة الأولى، إذ إنّ المهاجرين ــ من جنسيات وبلدان مختلفة منها دول مجاورة في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء ــ عليهم قطع الصحراء الليبية في الجنوب عبر إحدى الطرق التي تنقسم بين ستة خطوط صحراوية رئيسية. من بين تلك الخطوط، خط مثلث الكفرة وخط الجغبوب وخط مرزق وخط غدامس. وسميت هذه الطرق بأسماء المدن أو القرى التي تمر بها، أو تبدأ منها. ويُدير الطرق الست مُهربون مختلفون عن أولئك الموجودين في المدن الساحلية. أغلب هؤلاء من الجنوب الليبي، ويجنون أرباحاً طائلة من أعمالهم. وعموماً، يصل المهاجر إلى إحدى المدن الليبية الجنوبية مثل سبها، حيث يبحث عن عمل مؤقت، قبل أن يبدأ التنقل، في ظل الفوضى ودون أوراق ثبوتية في الغالب، متخذاً الساحل وجهة له.
أخيراً أصبحت غالبية المهاجرين من لاجئي الحروب، وخاصة من الجنسية السورية، وقد وصل عدد مهم من بين هؤلاء عبر المنافذ المشروعة مثل منفذ السلوم ورأس اجدير أو عبر المطارات، أو حتى من طريق البحر برحلات تهريب من طريق مصر. وأيضاً، من بينهم من سلك الطرق الصحراوية التي تربط بين ليبيا والجزائر.

لا يزال كثيرون من
شباب ورجال المدينة يمتهنون مهنة الصيد

هكذا تبدأ رحلة العناء، ومهمة البحث عن وسيط يوصلهم بأحد المهربين. ويتمثل دور الوسيط بتوفير مكان إقامة أو عمل مؤقت حتى موعد الرحلة. ويتفاوض الوسيط معهم بشأن كيفية الرحلة وثمنها. ويبدأ الثمن من 500 دولار ارتفاعاً إلى مبالغ أعلى؛ وهذا أيضاً يعتمد على المركب وجودته.
أما المهرب، فعادة ما يكون عاطلاً من العمل مثل «ن .أ» الذي يبرر عمله بـ «البطالة والفقر»، ويقول إنه ظل عاطلاً من العمل لسنوات ولم يتمكن من توفير مصدر رزق يمكنه من العيش بكرامة. والتهريب، وفقاً له، «ليس تجارة بشر بل توفير سُبل للهجرة بطرق مخالفة للقانون ولكن ليست مخالفة للإنسانية». ومن يغرقون؟ «هذه حوادث عرضية قد تحدث في كل السُبل التي يعبرها المهاجر، وهي مؤسفة جداً». يشرح أنّ «هذه حوادث فردية، عادة ما يسببها الطامعون ممن امتهنوا هذه المهنة لغرض الربح الأكبر والأسرع»؛ أما هو فـ»حريص على ان تكون المراكب بوضع جيد وأن لا تحمل أكثر من طاقتها».
هذه المراكب غير المخصصة للهجرة هي بالأصل مراكب صيد، يجري بيعها بالسر بين مالكيها والمهربين. تتفاوت أسعارها بحسب طولها وحجمها.
ولا يزال كثر من شباب ورجال المدينة يمتهنون مهنة الصيد على متن تلك المراكب، إذ إنّ علاقة أهالي المدينة بالبحر وبالصيد حيوية. هؤلاء الصيادون فضلوا هذه المهنة ورزقها الضئيل كما فضّل غيرهم من أبناء المدينة مهنهم البسيطة على أن يمتهنوا التهريب، بالرغم من غلاء المستوى المعيشي في ليبيا نظراً إلى ظروف الحرب.
مبدأ رفض هذه التجارة من قبل معظم أهالي المدينة والناشطين هو ما جعلهم ينضمون إلى أكثر من تظاهرة وحملات استنكار وتنديد بالمهربين وبمن يزرعون شاطئ مدينتهم بجثث الاطفال والمهاجرين. وتنظم الحملات تحت شعار أن «زوارة لا يمثلها مصاصو الدماء».
زوارة مدينة صغيرة من ناحية الإمكانات، والحرب الأهلية في ليبيا تلتهم كل الموارد، والمهربون بأموالهم يزدادون قوة كل يوم. هذا ما يجعلها لا تستطيع تحمل كل هذه الأعداد من المهاجرين والمهربين، في وقت لا تملك فيه الموارد الكافية للقضاء على هذه الظاهرة أو التقليل من نسبتها. ويستشهد الباحث في مجال الهجرة غير الشرعية، عاصم بن خليفة، بتحرك المجتمع المدني، مشيراً إلى واقع الناشطين الذين يفتقرون إلى أي قنوات اتصال بمؤسسات المجتمع المدني في أوروبا أو في دول جنوب أوروبا الشريكة. كل هذه الضغوطات والاختراقات الأمنية واستمرار الحراك المدني ــ بجهوده المتواضعة ــ دفعت المجلس البلدي والمسؤولين باتجاه السعي إلى حل الأزمة، في ظل غياب الدولة. ويقول مدير إدارة الأزمة بالمجلس البلدي، الصديق جياش، إنّ «هذا يتطلب سياسة شاملة وعلى مستوى دولي. وقد جرت مفاوضات ومحادثات بين المجلس والسلطات الإيطالية بطرق مباشرة وغير مباشرة، لكن لم نتوصل إلى الآن الى حل عملي وواضح»، مضيفاً أنه «لذلك نعمل فقط بما نملكه من إمكانات متواضعة لا غير، في انتظار مد يد العون سواء على مستوى ليبيا أو على المستوى الدولي».
بإختصار، هكذا هي مراكب الموت من زاوية قريبة!