يصعب أن تجد بلداً على هذا الكوكب وفي هذا القرن علاقته بالكهرباء معقّدة كعلاقة لبنان بهذا المنتج الطاقويّ الذي بات في آخر مئة عامٍ كالدم في شرايين الإنسان. طبعاً، يصعب أن تجد بلداً على هذا الكوكب وفي هذا القرن كلبنان بشكل عام، لكن تلك قصّة أخرى. طبعاً البشريّة وصلت إلى هذه المئوية الأخيرة من دون أمبيرٍ واحدٍ من اختراع الكهرباء، لا من الدولة ولا من الاشتراك، ولن يختفي الإنسان إن انقطعت الكهرباء إلى الأبد. لكنّ البشريّة بغالبيّتها أدمنت كبسة الزر التي تضيء أي حاجة وسيصعب عليها التأقلم مع واقعٍ الـ«on/off» فيه ليس بهذه البساطة. فالإنسان المعاصر في عام 2024 بات يمضي نصف يومه كلّ يومٍ يقرأ خطوطاً وأخاطيط في كفّ يده، وكلّها لم تكن لتظهر لولا الكهرباء. معظم سكّان المنطقة اليوم عندما ينظرون في كفّ يدهم يرون أن خطّ العمر المديد لم يعد يمتدّ مثل القبلِ. بعيداً عن خرافات التنجيم بالكفّ، هذا أمرٌ طبيعيٌّ وسط حرب إبادة قائمة منذ تسعة أشهر. مَن يريد أن يعمّر أصلاً في هذه الأجواء؟ هذا ما يقوله مَن لم يعمّر أصلاً في هذه الأجواء. أحقّاً تهدّدوننا بالكهرباء؟ ألا تعرفون مَن نحن؟ منذ بضعة أيّام صرّح شاؤول غولدستين، والذي يبدو أنه تكنوقراطي يعمل على تزويد «إسرائيل» بالكهرباء ولا يفقه بالسياسة، أنّ الكيان، شماله على الأقلّ، سينهار خلال 72 ساعة إذا قرّر مجرمو الحرب في تل أبيب توسيع الحرب على لبنان. عبّر غولدستين عن قلق حقيقي أن لا الجيش الإسرائيلي ولا من يزوّده بسلاحه قادرون على حماية منظومة إيصال الكهرباء إلى كفّ اليدّ المدمن عليها. فحتّى صفّارات الإنذار لا تصفّر دائماً، بل أحياناً تصل كتنبيهٍ في كفّ اليد بالاختباء سريعاً لأن هناك مسيّرة انقضاضية في الأجواء ستنقضّ حتماً وحالاً، ولن يردعها لا قبّة حديدية ولا مقلاع داوود ولا الباتريوت على متن الأيزنهاور ولا لحية العام سام ولا، ولا، ولا... انتفضت أمّة الاحتلال للقول إنّه لا داعٍ للهلع، لكن قبل الدخول في تفاصيل هلعهم، دعوني أروي لكم روايتنا مع الكهرباء.
طوني بارود رجلٌ لطيفٌ حسب معظم الروايات وكان من أكبر نجوم كرة السلّة اللبنانيّة قبل أن تصبح بمستوى تتأهّل به إلى كأس العالم وتخسر نهائي آسيا بشكل دوريّ. كان طوني بارود أهمّ لاعب في نادي الكهرباء زوق مكايل. ناديا الحكمة والرياضي كلاهما «بلّا أياديهما» بالكهرباء ولم يسمحا لبارود أو الكهرباء بالفوز ببطولة لبنان رغم وصولهم إلى النهائي ثلاث سنين متتالية. ونتكلّم هنا عن الحكمة قبل فادي الخطيب والرياضي قبل وائل عرقجي، هذا مدى حقدنا على «الكهرباء» في لبنان. ثمّ تأتينا حاقدة مستعمرة كدوروثي شيا لتعدنا بكم ساعة إضافية من الكهرباء إن خضعنا وركعنا وتوسّلنا لها ولعملائها في مصر والأردن! سامحوها، «المعتّرة» دوروثي لا تدرك أنّها ليست في كنساس «anymore».
وزير الطاقة «الإسرائيلي» إلي كوهين هو من تصدّر الحملة على تكنوقراطي الكهرباء في الكيان. وهذا ما قاله: «يا جحش!»… لم يقل ذلك ولكن لولا الضوابط في السياسة، لم يكن ليتردّد بقول ذلك. ما قاله أسوأ فعلاً: «لدى دولة إسرائيل القدرة على خلق الكهرباء من مصادر متنوّعة. لدينا منصات غاز (إحداثيّاتها معروفة بالسنتيمتر). لدينا مخزون مازوت (الإحداثيات مجدّداً). ولدينا مخزون هائل من الفحم»! الفحم؟ أتريد ديمومة كيان مستعمر أم رأس أرجيلة معسّل تفّاحتين؟ لم أكن يوماً أبغى تقديم النصائح المجّانية للعدوّ، لكن إن أردتم تهديدنا، فهدّدونا بالفحم، فهو حتماً يؤثّر أكثر في مجتمعنا الذي يدمن الأرجيلة أكثر ممّا يدمن الكهرباء.
إذا كان الاعتماد في حرب الصمود «الإسرائيلية» تتّكل على قدرة وزير طاقة الكيان على استخدام المِجرفة في إطعام فرن «اللوكوموتيف» ما يكفيه من فحمٍ ليستمرّ الاحتلال فأدركوا أن تحرير «أمّ الفحم» بات قريباً جدّاً. في المناسبة، أمُّ الفحم تقع ما بعد حيفا. وزير طاقة «إسرائيل» هدّد بأن إذا انقطعت الكهرباء عن الكيان ساعات، فسوف تنقطع عن لبنان أشهراً. نحن شعبٌ يتصبّب عرقاً في الصيف ويسمرّ جلده في الشمس دون أن «يُسَرْطِن» وأجدادهم ونتاجهم الزراعي والحيواني عبر آلاف السنين هو ما تشرّبته الأرض، وتحوّل نفطاً وغازاً في قعر البحر وقلب الأرض لينتج كهرباء اليوم. مَن أنت لتهدّد؟
تخشون الأنفاق ونحن متجذرون تحتها بأعماق.
نحن هذه الأرض.

* من أسرة «الأخبار»