اليوم تحتفل بلدان كثيرة حول العالم بعيد الموسيقى، من بينها لبنان. بلدنا الذي اشترك مع الشعوب لناحية تعثّر العيد في السنتين الماضيتَين بسبب الجائحة الجامعة (فكان مرّة «عالبلكون» ومرّة «عالطريق»)، ينفرد هذه السنة بتأثير مشكلاته الخاصة والمتفاقمة على المناسبة، بعد انحسار الوباء بشكل ملحوظ. كل سنة، أقلّه في السنوات الثلاث الأخيرة، يكون الجوّ النفسي العام مختلفاً، باتجاه الأسوأ دائماً. يحار المرء كيف يقارب الأمور عامةً، وكيف يتعامل مع احتفالية مثل عيد الموسيقى. هل فعلاً هي ضرورة تزداد ضرورتها في هكذا أوضاع تحديداً؟ هل هي محاولة مثيرة للشفقة للبقاء على قيد الحياة الاجتماعية الطبيعية؟ هل هي مجرّد فولكلور بلا جدوى؟ هل هي جرعة أوكسيجين شكلية لمريض لن يصمد طويلاً في كل الأحوال؟ المشكلة أن مَن يعاني مِن وضع نفسي مزرٍ لأسباب معظمها عام ومشترَك مع مجتمعه، يعتقد أن المجتمع يعاني أيضاً مثله. كذلك، من يتمتّع بمعنويات عالية ويتمسّك بتفاؤله وأمله تجاه الأوضاع العامة، يخيّل له أن هذا شعور عام ومشترك مع الجميع. يفضي ذلك إلى مجتمعٍ من فئتَين: واحدة تعتقد أن الأمل عام، وواحدة تعتقد أن اليأس عام.
البداية مع اللبنانية فريدا التي تقدّم ريبرتوارها الخاص لناحية النصوص والتوليفة الموسيقية والأداء


يستعين عازف الفلوت الفرنسي جوسلان ميينيال بالتكنولوجيا والإلكترونيات لبناء عالمه الصوتي

من هنا تصبح تظاهرة كعيد الموسيقى صعبة المقاربة موضوعياً. بمعنى آخر، كيف سيقارب القارئ دعوتنا له للخروج والاحتفال مع الآخرين في الأماكن التي تنظّم مواعيد موسيقية للمناسبة؟ أو العكس، هل الصحيح القول إنّ احتفالات من هذا النوع هي مهزلة في مجتمع يسهر في العتمة، يصلّي كي لا يمرض، ينام فوق أمعاء خاوية، وفي الصباح يلعن حظّه أنه لم يمت أثناء نومه وعليه الآن التعامل مع همومه المتراكمة وما يضاف إليها في اليوم الجديد، إلخ…؟ إنها معضلة، والمخرج اللائق الوحيد الذي نراه في الكتابة عن عيد الموسيقى، في عام 2022، في لبنان، هو تعداد بعض الحفلات التي ستُقام في بيروت والمناطق، من دون أمرٍ بالمشاركة ولا نهيٍ عنها.
بطبيعة الحال، شكل عيد الموسيقى في لبنان تراجع جداً بين فترة الأوهام الذهبية مطلع الألفية، وفترة الحقيقة السوداء اليوم. هناك محاولات مبعثرة، خجولة بمعظمها لناحية الشكل وأحياناً المضمون، بعضها سبق العيد بأيام قليلة وبعضها يستمر حتى نهاية الأسبوع الجاري، في جميع المحافظات من الشمال (زغرتا، طرابلس والقبيّات) إلى الجنوب (صيدا) والبقاع (بعلبك) والشوف (دير القمر).

كريستوف شاسول


شربل الهبر لا يشارك هنا كمغنّ وعازف غيتار في مجال الروك الحديث المستقل بل كـDJ

المنظّم الأساسي لفعاليات عيد الموسيقى، كان ولا يزال «المعهد الفرنسي» (المركز الثقافي الفرنسي، سابقاً) بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية وجِهات أخرى. هذه السنة حصر الدعوة، في ما خصّ الاحتفالات الأساسية في بيروت، بـ«نادي سبورتينغ»، على أن يبدأ العيد بدورته الـ22 محلّياً، عند السابعة من عصر اليوم (الدخول مجّاني). البداية مع المغنية اللبنانية فريدا، التي تقدّم ريبرتوارها الخاص لناحية النصوص (بالعربية والفرنسية والإنكليزية) والتوليفة الموسيقية والأداء. يليها الفرنسي جوسلان ميينيال، عازف الفلوت (وآلات أخرى من نفس العائلة، مثل الناي) الذي يستعين أيضاً بالتكنولوجيا والإلكترونيات لبناء عالمه الصوتي، ويعمل على مشاريع تتلاقى فيها فنون عدة، منها الطبخ أحياناً (مهنته الأساسية).
يقدم «شاسول» أنماطاً مختلفة من الجاز إلى الكلاسيك المعاصر والارتجال

المشاركة الثالثة تحمل توقيع الفرنسي أيضاً كريستوف شاسول (المعروف بـ«شاسول») الذي يقدّم لوناً غير قابل للتعريف، يجمع فيه مكوّنات من أنماط مختلفة من الجاز إلى الكلاسيك المعاصر والارتجال وغير ذلك. أما الختام فمع أحد أبرز وجوه الساحة الموسيقية البديلة في لبنان منذ أواخر التسعينيات، شربل الهبر الذي لا يشارك هنا كمغنّ وعازف غيتار في مجال الروك الحديث المستقل ولا كمرتجل في مجال الموسيقى الإلكترونية والتجريب الحرّ، بل كمنسق أغنيات (DJ)، في مساهمة مفتوحة لناحية الخيارات والوقت أيضاً.
من جهة ثانية، هناك جهات أخرى تقدّم برنامجها الخاص بعيد الموسيقى، مثل Rebirth Beirut التي تدعو الناس إلى درج مار نقولا في الجمّيزة عن السابعة والنصف من عصر اليوم. تبدأ السهرة بإضاءة خاصة للدرج، يلي ذلك الشق الموسيقي الذي سيكون غنائياً شبابياً وشعبياً ويبدأ مع سيرج جامو وفرقته Les Croques-note ثم جوي فيّاض المغنية وعازفة الغيتار المتمكنة صناعةً وأداءً وأخيراً كلارا عطالله.



سهرة مع نسرين حميدان
احتفالاً بـ «عيد الموسيقى»، تُقيم «جمعية السبيل» سهرة طربية تحييها نسرين حميدان اليوم (س:19:00) في «المكتبة العامة لبلدية بيروت» في الباشورة. ستغنّي نسرين باقة من الأعمال الطربية، بمرافقة عازف الإيقاع ناجي العريضي. علماً أنّ حميدان عاشقة الغناء العربي القديم والحديث، وخصوصاً التراث العراقي، مغنية وعازفة عود لبنانية، حاصلة على جائزة أفضل صوت في «مهرجان دول حوض البحر الأبيض المتوسط» عام 2006، فضلاً عن نيلها جوائز تكريمية عدة.