ورود على الطاولة الرئيسية، شاشة عملاقة خلفها، وغابة ميكروفونات خاصة بمحطات تلفزيونية واذاعات محلية واجنبية. كل شيء كان جاهزاً للاعلان الكبير. مباريات كأس العالم لكرة القدم 2014 ستطل على شاشات اللبنانيين، الذين استجدوا الدولة للقيام بواجبها وتأمين ما سُمّي يوم أمس «الخدمة»، في الوقت الذي سبقت فيه دول كثيرة لبنان الى منح مواطنيها فرصة متابعة «لعبة الفقراء» في اهم عرس كروي يقام كل 4 سنوات.
صحيح ان الكلام كان متضارباً في قاعة المؤتمر الصحافي الذي عُقد في وزارة الاتصالات، لكن الامر الواضح ان النبأ السار كان في طريقه للخروج من المطبخ أخيراً، اذ ان «الديكور» لم يكن ليذهب سدى، فـ «الهدر» لا مكان له هنا، بحسب ما يهمس احد الموظفين، لكن هناك من كان يحاول الاستفادة من اي كلمة تفلت من اي احد، اذ ان قسماً كبيراً من الاعلاميين جاء بحثاً عن سبقٍ صحافي، لدرجة ان كل كلمة سلبية او ايجابية بخصوص القضية، واياً كان قائلها، كانت تسقط سريعاً كخبرٍ عاجل على تطبيقات الاخبار المُحمّلة على الهواتف النقّالة، من دون التأكد من صحتها حتى!
على كل حال الدقّة لم تكن سمة المؤتمر امس، اذ ان اشارة الزميل يوسف الحويك الى تأخر انطلاق المؤتمر 5 دقائق لكي يصل وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي، سقطت مع طول الانتظار، الذي قطع هدوءه الحويك مرة جديدة بجلوسه خلف الميكروفونات هذه المرة، مختصراً الوضع بكلمتين: «المفاوضات تتعثر بعدما دخلت دولة قطر على الخط».
الانباء تتساقط بغزارة مرة جديدة على الهواتف المحمولة. احترقت «الطبخة»، هو امر لم يكن متوقعاً في سيناريو فيلم السينما الهوليوودي الذي جلس الكل بانتظاره امام تلك الشاشة العملاقة، لكن مهلاً، لم يؤدِ الابطال دورهم بعد. فجأة دخل «الفرسان الثلاثة»، وزير الاتصالات بطرس حرب، وزير الاعلام رمزي جريج، ومعهما حناوي. بخطوات واثقة صعدوا الى المسرح، وبنبرة المهموم افلتت بعض الكلمات من حرب، اشارت الى ما سمّاه «حلّ لمشكلة الشرق الاوسط».
...وزفّها حرب موضحاً ان اللبنانيين سيتمكنون من متابعة «المباراة» عبر شبكات الكايبل من دون تكبّدهم اي مبالغ اضافية. حرب اختصر كأس العالم كلّها بكلمة مباراة، وكرّرها مرات عدة لدرجة اعتقد الحاضرون انه سمح للبنانيين بحضور مباراة واحدة فقط. اما الوزير جريج، فهو قصة اخرى اذ بدا مقتنعاً بأن الدولة لم تتأخر في ايجاد الحل، اذ بحسب معلوماته «لم يخسر اللبنانيون سوى حضور مباراتين من المونديال»، علماً انه قبل يوم امس كانت 11 مباراة قد اجريت...
وبطبيعة الحال قطف «ابطال الاعلان الكبير» الذين تقاسموا ادوار الكلام، ما تسابق كثيرون اليه، فهمّ الكل هو «اسعاد اللبنانيين» على حدّ قول حرب. حتى «الشيخ» سعد الحريري قلبه على المواطنين، فهو اتصل من مهجره عارضاً المساهمة بمبلغٍ لتأمين النقل التلفزيوني بحسب حرب دائماً. اكتملت هنا فصول القصة السعيدة، لكن المدير التنفيذي لشركة «سما» حسن الزين لم يكن سعيداً على الاطلاق، بعكس الرئيس- المدير لعام لهيئة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف الذي رسم ابتسامة عريضة طوال الوقت من دون معرفة سبب بهجته الكبيرة، الا لاحقا، اذ تبين انه «مهندس» الاتفاق مع «سما».
مصادر خاصة افادت «الأخبار» بأن «سما» هي الرابح الأكبر من العملية الحاصلة، حيث ستحصل على 3 ملايين دولار ستتقاسم دفعها شركتا تشغيل الخلوي في لبنان. «سما» كانت تعلم تماماً بأن نسبة قليلة من موزّعي الكايبل في البلاد التزمت قرار قطع البث عن المشتركين، وبالتالي، فان صفقتها التي بقيت في اطارها الشفهي بحسب مصادرها، ستدرّ عليها مبلغاً لم يكن ليدخل ارباحها من خلال بيع الاشتراكات، فهناك مناطق لن يتجرأ احدٌ على قطع البث من محطاتها التي تركت قنوات الشبكة القطرية الناقلة ومحطات تركية وفرنسية وغيرها.
اما المضحك المبكي، فان الشركة المذكورة، ومن خلال الزين رأت انها قدّمت «مكرمة» الى اللبنانيين بتنازلها عن ثلث ثمن حقوق النقل، لكن اليوم يبرز تخوّف آخر لدى موزّعي الكايبل الذين قد يجدون انفسهم امام مشاكل قضائية في حال بثّهم للمباريات، وخصوصاً ان الدعوى المرفوعة امام قاضي الامور المستعجلة نديم زوين لم تُسحب بعد، وقراره بحماية «احتكار» الشركة لا يزال ساريا، ولا يزال كل من يبث مباريات المونديال مهددا بغرامة الـ25 مليون ليرة. وتساءل مصدر عن سبب الطلب من الموزّعين الذهاب الى مقر الشركة للاتفاق مع «سما» على ما سمّي آلية، من دون ان يستبعد ان وراء هذا الطلب تقديم الطاعة لا اكثر. مشهدٌ اخير كان لبطلٍ أُخرج من السيناريو كلّه بعدما كان من المفترض ان يكون صاحب الانجاز، وهو رئيس مجلس ادارة تلفزيون لبنان طلال المقدسي، الذي اعلن تمرّده علناً، مشيراً إلى ان استقالته ستكون في تصرف رئيس الحكومة إذا مُنع من بث المباريات على شاشة تلفزيون الدولة.
خطوة المقدسي طبعاً جاءت بعد احراج الاعلاميين للوزير حرب بخصوص عدم توافر محطات الكايبل في كل المناطق اللبنانية، فلم يكن لدى الاخير سوى جواب يبعده عن السؤال المتكرر، حيث قال انه سيُعمل على حلّ هذه المشكلة، لكن الكل يعرف ان الامور ليست بهذه البساطة، اذ بالتأكيد لا يمكن بسحر ساحر انشاء محطات للتوزيع وتشغليها في عمل يحتاج الى اشهرٍ طويلة.
اذاً، سقط الشعار الذي رفعته وزارة الاتصالات أمس «كأس العالم لكل العالم». ربما فات الدولة إخبار بعض الاقضية المحرومة والمناطق النائية والاسر الفقيرة بكثرة، وربما جولة على بعض الاحياء والقرى والدساكر ستعطيهم عيّنة عن الوضع في نواح لبنانية مختلفة، وستغيّر من هذا الشعار ليصبح عنوان هذا الفيلم المشوّق «كأس العالم ليست لكل العالم».