عندما أشار وزير المال علي حسن خليل بعد مغادرته جلسة الحوار أمس، إلى أنها كانت «واحدة من أهم الجلسات التي انعقدت في تاريخ الحوار، وأنها أرست أسلوباً إصلاحياً جديداً»، لم يكُن يقصد بطبيعة الحال أن المتحاورين توصّلوا إلى اتفاق بشأن السلّة المتكاملة، ولا حتى على بند واحد من البنود الخلافية المطروحة على الطاولة. لكن، بحسب المصادر، امتازت هذه الجلسة بمستوى عالٍ من «الهدوء والجدية والمرونة في النقاش». حتّى إن أكثر المتحاورين تصلباً بدوا إيجابيين، كالرئيس فؤاد السنيورة مثلاً، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد. يضاف إلى ذلك «شعور الجميع بدقة المأزق الذي يمُر به البلد». لكنّ هاتين الإيجابيتين تقابلهما أحجار عثرة تقف في وجه ترجمتهما الفعلية، أهمها «الضغط الزمني» الذي يحاصر أطراف الحوار، و«عدم وجود مخرج واحد مقبول عند الأطراف». واللافت أن القوى السياسية العاجزة عن تأمين حل لأي واحدة من الأزمات المطروحة في البلاد، والتي لم تتمكن من الاتفاق على أي مشروع قانون للانتخابات النيابية، لم تجد لها "حلاً" سوى الهروب باتجاه مجلس الشيوخ. وكأنّ من لم يستطيعوا تعديل مادة في الدستور أو تفسير أخرى أو وضع نظام داخلي لعمل مجلس الوزراء أو انتخاب رئيس للجمهورية أو إقرار موازنة عامة للبلاد، سيتمكنون، بسحر ساحر، من الاتفاق على صلاحيات لمجلس شيوخ، تمسّ بالعمق "حصص الطوائف" في النظام الذي يعيش في مأزق متواصل منذ 10 سنوات.
غاب موضوع الحكومة عن مداولات جلسة الحوار في الجولتين الأولى والثانية
لكن، بعد ثلاث ساعات من النقاش خرج المتحاورون أكثر تفاؤلاً من الجلسة الأولى، مشيرين إلى «تقدّم كبير سُجّل اليوم بعد طرح قدّمه رئيس مجلس النواب نبيه بري يقوم على تطبيق جميع بنود اتفاق الطائف تمهيداً لحلّ أزمة الفراغ الرئاسي». فقد تحدّثت المصادر عمّا وصفته «بنقلة نوعية ما، إذا اكتملت فإنها ستقرّب المسافات وتسهّل الاتفاق»، وهذه النقلة هي استحداث مجلس الشيوخ، كان قد اقترحها في الجلسة السابقة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان. فبعد أن حُكي في الجلسة الأولى عن قانون الانتخابات واللامركزية الإدارية، فتح النقاش في ما يتعلّق بتطبيق اتفاق الطائف وانتخاب مجلس شيوخ، ومع أن «المبدأ مقبول عند الجميع»، إلا أنه بحسب المصادر «دخل المتحاورون في نقاط تفصيلية تتعلق بدور هذا المجلس وصلاحياته، وخصوصاً أن فكرته تقوم على تبديد هواجس الطوائف»، لأن «الموافقة عليه تعني أن تصبح كل القوانين الانتخابية النيابية المطروحة على الطاولة مجمّدة، ويصار إلى صياغة قانون على أساس وطني لا طائفي، لأنه بحسب الدستور، إن انتخاب مجلس للشيوخ يتزامن مع انتخاب مجلس نواب وطني لا طائفي». وقالت مصادر المجتمعين إن «أحداً من الأطراف لم يعترض»، لكن التعليقات لم تخلُ من مخاوف ظهرت عند الجميع في ما يتعلق «بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ ودوره والقانون الذي سينتخب على أساسه، والفصل بينه وبين مجلس النواب». وبناءً عليه، «اقتُرح تشكيل ورشة عمل نيابية تعمل على صياغة مشروع متكامل لتحديد كل النقاط المتعلقة بمجلس الشيوخ»، وتبحث بعدها جلسة الحوار في «إعداد الصيغ التمثيلية لمجلس الشيوخ وقانون الانتخاب واللامركزية الإدارية التي من شأنها أن توصل إلى الاتفاق حول قانون انتخابي». إذاً، إن البند الآخر الذي ناقشه أطراف الحوار داخل الجلسة، كان في شأن اللامركزية الإدارية. فبعد أن ذكّر الرئيس برّي أول من أمس بوجود مشروعين يتعلقان باللامركزية الإدارية في مجلس النواب، وآخر تقدّم به الرئيس السابق ميشال سليمان، وأشار إليه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل خلال الجلسة، وُضعت المشاريع الثلاثة أمس على طاولة البحث، واتُّفق على أن «تؤلف لجنة فرعية منبثقة من لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات النيابية لمناقشة المشروعين، مهمتها إعداد مشروع موحّد من وحي الأفكار المطروحة». عملياً، يمكن القول إنه لا بحث في السلّة المتكاملة بالمعنى الكامل، وإنما الانتقال من بند إلى آخر «سيبقى جميعها مجمداً، حتى لو تمّ الاتفاق عليها، ما دام البعض يصر على أن أياً منها لن يسلك طريق مجلس النواب إن بقي كرسي الرئاسة فارغاً» بحسب المصادر. وفيما رأت مصادر أخرى مشاركة في الحوار «أننا ما زلنا نناقش أموراً هامشية رغم أهميتها، تبقى هناك نقطة أساسية لمّح إليها الرئيس برّي، إلا أنها لم تأخذ حقها في النقاش، لا بل لم يعلق عليها أحد». وهذه النقطة كما تقول المصادر تتعلق «بالحكومة التي ستؤلف بعد انتخاب رئيس للجمهورية». وأشارت المصادر إلى أن «موضوع الحكومة يكاد يكون الأكثر تعقيداً وخلافاً، وكان يجب البحث به بالتزامن مع النقاش في موضوع الرئاسة، لأن بند الحكومة مرتبط به»، وتحديداً في ما يتعلق بـ«رئيس الحكومة الذي سيخلف الرئيس تمام سلام، شكل هذه الحكومة، بيانها الوزاري، وسياستها الخارجية في ظل الانقسام حول الموقف العربي من حزب الله وتصنيفه إرهابياً».