ابراهيم الأمينإنها المرة الأولى التي يشهد فيها ملف التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري هذه المفارقات دفعة واحدة:
أولاً: يخرج المدعي العام الدولي دانيال بلمار عن تحفظه حيال ما ينشر في الصحافة حول عمل التحقيق. وهو يقر ضمناً بصحة ما ورد في وثائق تقرير قناة الـ "سي.بي.سي" الكندية، و يعرب – للمرة الاولى – عن غضبه من أثر ما نشر على حياة أشخاص. ويشير أيضاً الى أنه لم يرسل بعد الى قاضي الإجراءات التمهيدية القاضي دانيال فرانسين مسوّدة قراره الاتهامي، ما يعني أن القرار ليس متوقعاً صدوره بين لحظة وأخرى، لأنه يفترض بفرانسين أن يطلع على مواد الاتهام والأدلة ويدرسها ويطابقها مع المعايير الدولية ولائحة الإجراءات قبل أن يصدر قراره بالتصديق على قرار بلمار أو عدمه، وهي مهمة يفترض أن تأخذ وقتاً إلا إذا كان هناك من لديه آلية أخرى.
ثانياً: تلجأ الجهات المعنية في الأمم المتحدة وفي المحكمة الدولية الى عدم التعليق على أي سؤال صحافي يتعلق بوثيقة أو خبر أو تقرير يخص أعمال التحقيق. لكنها المرة الأولى التي تبعث فيها هذه الجهات برسالة الى القناة الكندية تطلب فيها عدم نشر الوثائق، ما يعني إشارة إضافية إلى صدقيتها أو دقتها وأنها فعلاً من أوراق التحقيق.
ثالثاً: يصرّح رئيس الحكومة سعد الحريري، بأنه يثق بالعقيد وسام الحسن، وأنه كان ولا يزال يثق به، وهو يعكس ضمناً موقفه الرافض لأي محاولة للتشكيك في وسام الحسن أو الإيحاء بأنه مشتبه به في الجريمة أو متورّط في أحد فصولها. والحريري هنا يناقض كل ما دأب هو وفريقه السياسي والأمني والإعلامي على الإشارة إليه في معرض رفض التشكيك في عمل المحكمة، إلا إن كان الحريري يعرف مضمون التقرير وأنه لا وجود لأي تشكيك في الحسن بين سطوره.
رابعاً: يشير التقرير الى أن قاعدة الاتهام لحزب الله تستند الى نفس التقرير الخاص بملف الاتصالات الهاتفية، الذي أعدّه النقيب الشهيد وسام عيد قبل اندلاع حرب تموز عام 2006، وهو التقرير المسرّب إلى جهات عدة منذ أكثر من ثلاث سنوات، علماً بأن التقرير نفسه يراوح عند النقطة – اللغز نفسها لناحية أن تقدير المحققين والمحللين يشير إلى علاقة ما لحزب الله بشبكات أخرى غير شبكة الخطوط الثمانية، أي إن قاعدة الاتهام لا تزال قائمة على مبدأ المصادفة، وهو أمر يحتاج الى تدقيق، خصوصاً بعد الكشف الخطير عن حجم الاختراق الإسرائيلي لكل شبكات الاتصال اللبنانية.
خامساً: تبدو المفارقة لافتة في الإشارة إلى شكوك لدى محققين دوليين بالعقيد الحسن، ثم باتهام حزب الله ثم بالاستنتاج أن الحسن كان يعمل لمصلحة حزب الله. وفي ذلك ما يجب أن يطرح السؤال عن المقصود من هذا الربط غير المنطقي، أو من طريقة إيراد الواقعتين في المكان نفسه، إلا إذا كان هناك من يريد نفي أي علاقة للعقيد الحسن بملف الاتصالات الذي تستند إليه التحقيقات الدولية في اتهام حزب الله، من خلال وضعه في دائرة الشبهة بما يوفر له حصانة ذات بعد خاص، باعتباره بات الآن مشتبهاً به الى جانب حزب الله.
الأكيد، أننا أمام لعبة استخبارية عالمية مجنونة، لا حرام فيها ولا حلال، سوى حسابات دول يمكن تطيح أي رأس متى وجدت في ذلك مصلحة لها.