منذ عدة أسابيع، تجتاح موجة جديدة من وباء «كورونا» المدن الكبرى في الهند، مثل نيودلهي ومومباي، مع معدّل إصابات يومي تخطى الـ 300 ألف إصابة. وفي الآونة الأخيرة، بدأ الوباء بالتمدّد إلى المدن الصغيرة، والقرى في الأطراف حيث تغيب الإحصاءات الدقيقة. المستشفيات لم تعد قادرة على استيعاب الحالات الجديدة، المرضى ينتظرون في باحات المستشفيات على أمل شغور سرير، أضف إلى ذلك النقص الحاد في الأوكسيجين. حتى المحارق لم تعد قادرة على استيعاب كل الجثث.
قبل هذه الموجة الخطيرة، كان معدّل الإصابات اليومية، في خلال كانون الثاني وشباط والنصف الأول من آذار، حوالي 15 ألف إصابة. اعتقدت الجهات الرسمية أنه تمّت السيطرة على الوباء وقامت بإجراء انتخابات في مختلف الولايات الهندية خلال شهر آذار وبداية شهر نيسان الحالي، مع السماح بالتجمعات والمهرجانات الانتخابية الضخمة إضافةً إلى الاحتفالات الدينية أخيراً في نهر الغانج المقدّس.

إذاً، ظهور الموجة الحالية من وباء «كورونا» مرتبط بعدّة عوامل، أهمّها: الصعوبة في الحفاظ على التدابير الوقائية مع مرور الوقت وظهور متحوّرات جديدة في الهند، بشكل أساسي المتحوّر البريطاني «B.1.17»، ومن ثم المتحوّر الهندي «B.1.617»، بالإضافة إلى عدة متحوّرات محلية أخرى مجهولة الخصائص حتى الآن.

السلالة الهندية «B.1.617»
ظهرت للمرة الأولى في الهند في شهر تشرين الأوّل من العام 2020، كثر الحديث عنها في الأسابيع الماضية وتم ربطها بالموجة الجديدة التي تجتاح الهند. من الصعب حالياً التحديد بدقة مدى انتشارها داخل البلاد أو خارجها ودورها في الموجة الجديدة بسبب النقص في المعطيات العلمية.

وبحسب المعلومات الأولية المتوافرة حتى الآن، هذه السلالة منتشرة بشكل خاص في ولاية ماهاراشترا (115 مليون نسمة) التي تضم مدينة مومباي. تخطى معدّل الإصابات عتبة الخمسين ألفاً في اليوم، لكن انتشارها ضعيف في باقي الولايات حيث تسيطر السلالة البريطانية «B.1.17». في ولاية دلهي مثلاً (حوالي 30 مليون نسمة)، التي تضم العاصمة نيودلهي، معدّل الإصابات 30 ألف إصابة في اليوم، ويشكّل المتحوّر البريطاني «B.1.17» فيها من 50 إلى 80 في المئة من العيّنات التي تمّت دراستها حتى الآن.

خصائص السلالة الهندية «B.1.617»
تمتلك العديد من الطفرات في حمضها النووي، أهمّها تلك الموجودة في بروتين النتوءات «سبايك»، تحديداً في المنطقة المسؤولة عن الالتصاق بسطح خليّة الانسان، وتعتبر هذه المنطقة أيضاً هدفاً للأجسام المضادة.

الطفرتان هما:

L452R موجودة أيضاً لدى سلالة كاليفورنيا «B.1.427/B.1.429» المعروفة بقدرتها على الهروب جزئياً من المناعة المكتسبة من اللقاحات أو من إصابة سابقة بفيروس «كورونا».

E484Q شبيهة بالطفرة الشهيرة «E484K»، الموجودة لدى السلالتين البرازيلية «P.1» والجنوب أفريقية «B.1.351»، والقادرة على زيادة انتشار الفيروس والهروب من المناعة المكتسبة.

الطفرتان، كل واحدة على حدة، معروفتان سابقاً، لكن السلالة الهندية «B.1.617» تضم الطفرتين معاً وهو أمر لم يسجل من قبل، لذلك أطلق عليها لقب «المتحوّرة المزدوجة».



السلالة الهندية «B.1.617» والمناعة

يمكن للطفرة «L452R» أن تخفف من فعالية الأجسام المضادة ضد السلالة الهندية، والطفرة «E484Q» القريبة من طفرة «E484K»، قد تسهّل الهروب الجزئي من المناعة المكتسبة باللقاح. لذلك يمكننا أن نتوقع انخفاضاً في فعالية اللقاحات. النتائج الأولية مع اللقاحين المستخدمين في الهند «أسترازينيكا-أوكسفورد» و«باهارات» تذهب في هذا الاتجاه.

إذاً، الطفرتان، على الأرجح، تقدّمان للسلالة الجديدة قدرة انتشار أسرع وإفلاتاً من المناعة المكتسبة. طبعاً هذا أمر يحتاج إلى تأكيد علمي، ربما في الأسابيع القادمة سنتعرّف إلى خصائص وقدرات هذه السلالة، خصوصاً أن كل الشركات المنتجة للقاحات بدأت بدراسة تأثير هذه السلالة على فعالية اللقاحات.

بعد مرور 14 شهراً على بداية الوباء، وفي كل مرّة نعتقد بأننا أخذنا زمام المبادرة، يفاجئنا الفيروس بمتحوّر جديد يعيدنا خطوة إلى الوراء، وكأن الفيروس يقول لنا: دخلت إلى حياة الإنسان لأبقى! السلالة الهندية «B.1.617» ليست الأولى، وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة. على المدى الطويل من المحتمل أن يصبح كوفيد-19 مرضاً مستوطناً عند الانسان مثل الإنفلونزا، لكن من الصعب حالياً التنبؤ بالنمط الذي سيتخذه.

* أستاذ وباحث في العلوم الجرثومية في الجامعة اللبنانية