«لا يشعر الرجل الشرقي بالذلّ لوقوفه ساعات في طوابير الضمان الاجتماعي، ولا لقمع رجل الأمن له. لا يحسّ بالإهانة لموته يومياً على أبواب المستشفيات أو لبرلمان لا يمثّله. لا تُنتقَصُ كرامته لغياب الدولة وفساد مؤسساتها. ليس عيباً أن يتحكّم النظام الطائفي بمفاصل حياته، فلا يجرؤ على مواجهة الفساد الذي يغطّي المحاصصة والسرقات المعلنة وتلك المخفية. فخرٌ عظيم للرجل اللبناني غياب العمل النقابي وشلل الأحزاب. كذلك إنّ انقطاع الكهرباء والتلاعب بلقمة عيشه ليس بذلٍّ يُحتسب. لا تُنتهكُ كرامته في الطرقات المُحفّرة والحرائق المُدبَّرة والأملاك البحرية المسروقة.
المعيب فقط، بل إنه العار نفسه، أن تُمارس ابنته أو أخته الحب من دون وثيقة زواج. الحب مُخالف للقانون إن لم يشرّعه رجلُ دين. أن تفقدَ واحدة من «حريمه» عذريّتها، فهذا انتقاص من رجولته. هذا يُسهّل بالطبع عملية البحث عن شرف هذا الرجل: شرفه بين فخذي امرأة. وهو لن يسمح للعار أن ينال منه: جريمة الشرف هي الحل الأمثل».
هذا ما أدليتُ به في حديث لمحطة تلفزيونية لبنانية. لم يُعجبهم كلامي ولهم كامل الحق بالطبع بعدم بثّه. أما تحريف ما قُلت، فتلك مسألة أخرى. «أردنا إظهارك بصورة مُحترمة» أجابتني مُقدمة البرنامج عندما طالبتُها بالاعتذار. ولتوضيح وجهة نظرها أكملت قائلةً: «جرّبنا نعملِّك قيمة».
لم أفهم في السابق معنى التدجين الاعلامي كما أفهمه الآن: يُمكنُك أن تُعَبِّر عن رأيك على ألا يخدُش حياء القبيلة. وإلا فمقصّ رقابة التلفزيون حاضر، والعذر جاهز: «لدينا مُشاهد عربي».
والأسوأ يأتي لاحقاً. رفض القيّمون على البرنامج الاعتذار لتشويههم كلامي، والقانون لا يحميني، أما مسألة الملكية الفكرية فلا تزال ضبابية في لبنان. عذراء أو لا، هذه ليست فضيلة. لا أملك من الفضائل إلا حريتي، لستُ مُدجَّنة.