تؤكد منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية أن الفلسطينيات يتعرّضنَ لأشكال مختلفة من العنف الجنسي بناءً على معلومات حصلت عليها من معتقلات تمّ الإفراج عنهنّ تحدّثن عن تعرضّهن لأفعال تندرج ضمن مفهوم العنف الجنسي على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء الاعتقال والتحقيق. ووفقاً لتوثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز الميزان ومؤسسة الحق، فقد اعتقلت قوات الاحتلال آلاف المدنيين من قطاع غزة على مدى الأشهر الخمسة الأخيرة، من بينهم مئات النساء. وأفادت المعتقلات المفرج عنهن عن تعرضهن لدرجات غير مسبوقة من التعذيب والعنف الجنسي، بما في ذلك إكراههن على التفتيش العاري والبقاء عاريات بحضور جنود ذكور والتهديد بالاغتصاب والسبّ والشتم بألفاظ جنسية وغير ذلك من الممارسات الحاطّة بالكرامة الإنسانية. وتؤكد المنظمات الحقوقية الفلسطينية أن ممارسات التفتيش العاري للمعتقلات الفلسطينيات والتهديد بالاغتصاب كان موجوداً قبل 7 أكتوبر، ولكن تضاعف كثيراً بعد ذلك. (نقلاً عن موقع مركز الميزان الفلسطيني، 7 آذار 2024)
العنف الجنسي سلاح العصابات الصهيونية منذ 1948
استخدم الكيان الصهيوني منذ نشأته العنف الجنسي والاغتصاب كسلاح ضد الفلسطينيين أثناء ارتكاب العصابات الصهيونية المجازر في عام 1948 وهو ما أثبته المؤرخون الإسرائيليون أنفسهم أمثال بيني موريس الذي فوجئ أثناء بحثه في الأرشيف العسكري عن وجود حالات اغتصاب وقعت في عدد من القرى الفلسطينية وانتهت بالقتل. وتبين له أنه منذ بدء التطهير العرقي في فلسطين أي منذ تأسيس " إسرائيل " وثق عدد كبير من جرائم الاغتصاب الذي استخدم كسلاح حرب ضد الفلسطينيين. وهو ما تم عرضه في وثائقي مصوّر عام 2022 يحمل اسم المجزرة التي وقعت في طنطورة، وقد عرض الوثائقي اعترافات عن حالات اغتصاب ارتكبت من قبل أفراد كتيبة اسكندروني. كان الهدف من استخدام الصهاينة العنف الجنسي كسلاح تهديد مع تعمّد نشر قصص حول ارتكاب فظائع جنسية لدفع الفلسطينيين سكان القرى إلى الفرار. وهو ما وثّقه أيضاً المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي في كتابه «التطهير العرقي في فلسطين».


وفي الزمن المعاصر، صدرت دعوات لاستخدام «الاغتصاب» ضد حركة حماس لردعها عن مهاجمة الكيان الصهيوني. هذه الدعوة أطلقها في عام 2014 مردخاي كيدار من جامعة بار إيلان الإسرائيلية في تصريح له للإذاعة العبرية في معرض ردّه على سؤال حول كيفية ردع حركة حماس فقال: «إن الشيء الوحيد الذي يردع مخرّبي حماس هو أن يعلموا أن شقيقتهم أو أمهم سيتم اغتصابها في حال القبض عليهم...». لكن المذيع قاطعه قائلاً: «هذا سيئ»، فردّ كيدار: «أنا لا أتحدث عمّا ينبغي أو لا ينبغي القيام به، أنا لا أتحدث عنا، بل أتحدث عنهم وعن معطيات، الشيء الوحيد الذي يردع الانتحاري والمخرب هو معرفته أنه إذا كان سيضغط على الزناد أو يفجر نفسه، فسيتم اغتصاب شقيقته. هذا كل شيء، هذا هو الشيء الوحيد الذي سيعيده إلى بيته من أجل الحفاظ على شرف أخته». (نقلاً عن موقع France24 27 /7/2017)

تعريف العنف الجنسي
عرّفت الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا العنف الجنسي على أنه «كل فعل ذي طبيعة جنسية يرتكب ضد شخص في ظروف إكراه». وتعبير "ذو طبيعة جنسية" له دلالة واسعة. فالفعل لا يقتصر على العنف الجسدي أو الاعتداء البدني، بل يشمل أيضاً التهديد والتخويف والابتزاز وكل أشكال الإكراه الأخرى التي تستغل مشاعر الخوف أو اليأس، وبذلك يشمل أفعالاً تتضمن إلى جانب الاغتصاب، وعلى سبيل المثال الاتجار من أجل الاستغلال الجنسي، تشويه الأعضاء الجنسية، والاستغلال الجنسي مثل الحصول على خدمات جنسية مقابل الغذاء والحماية، الإجهاض القسري، منع الحمل القسري والتحرش الجنسي مثل التجريد القسري من الثياب والتعرية القسرية في مكان عام. هذه الأفعال تم تصنيفها على أنها عنف جنسي. فالعنف الجنسي يشمل العنف الشفوي والنفسي وليس فقط البدني. ويندرج العنف الجنسي في أحكام متعددة مثل حظر المعاملة القاسية والتعذيب والمعاملة الحاطّة بالكرامة الشخصية وخدش الحياء والإكراه على البغاء. وغالباً ما يقع كنمط من أنماط الإساءة والعنف وكشكل من أشكال الانتقام أو كمظهر من مظاهر التعذيب. ويُستخدم العنف الجنسي بصورة منهجية كوسيلة من وسائل الحرب، الغرض منها تدمير النسيج الاجتماعي. إن العنف الجنسي يتسبب بصدمات خطيرة جسدية ونفسية، والإصابة أيضا بأمراض معدية كنقص المناعة. وغالباً ما تتعرض الضحايا لإيذاء مزدوج الإصابة بجراح وصدمات تدوم طويلاً، ومواجهة الوصم بالعار والنبذ من جانب بيئتهم الاجتماعية. وبالرغم من انتشاره كظاهرة في أغلب النزاعات المسلحة المعاصرة، إلا أنه يظل غير مرئي فلا يزال هناك قصور على مستوى الإبلاغ عن وقوعه والتقليل من شأن مدى انتشاره والآثار الناتجة منه.

حظر العنف الجنسي وفق القانون الدولي الإنساني
إن اغتصاب النساء والفتيات في حالات الصراع المسلح، سواء كانت مدنية أو دولية، يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. ويلاحظ أنه لم يذكر سوى القليل عن مسألة العنف ضد المرأة في زمن الحرب في اتفاقية لاهاي لعام 1907 التي تضمنت حظراً ضمنياً للعنف الجنسي من خلال النص على أن "شرف الأسرة وحقوقها ... يجب احترامها." كان من المفهوم عموماً أن انتهاك "شرف" الأسرة يشمل الاعتداء الجنسي. أما اتفاقيات جنيف، فقد أشارت صراحةً إلى حظر الاغتصاب والأفعال الأخرى ذات الصلة. تنصّ المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على أنه "يجب حماية المرأة بشكل خاص من أي اعتداء على شرفها ولا سيما من الاغتصاب أو الإكراه على الدعارة أو أي شكل من أشكال هتك العرض". وتتضمن المادة 174 من الاتفاقية قائمة الأفعال التي تشكل انتهاكات جسيمة والتسبب عمداً في معاناة شديدة أو إصابة خطيرة للجسم والصحة. وقد فسرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ذلك على أنه يشمل الاغتصاب، وهكذا تمّ حظر الاغتصاب وفقاً لجنيف الرابعة. كما يحظر القانون الإنساني الدولي أعمال الاعتداء الجنسي ضد المرأة من خلال أحكام معيارية تحظر العنف ضد السلامة البدنية للشخص وكرامته وأمنه. وهو ما نصت عليه المادة 3 المشتركة من اتفاقية جنيف: العنف ضد الحياة والسلامة البدنية، والمعاملة القاسية، والتعذيب، أو الاعتداء على الكرامة الشخصية، والبروتوكول الثاني المتعلق بحماية النزاعات المسلحة غير الدولية، الذي يحظر صراحة "الاعتداء على كرامة الشخص، ولا سيما المعاملة المهينة والحاطّة بالكرامة، والاغتصاب، والإكراه على البغاء، وأي شكل من أشكال هتك العرض. (المادة 4-2، هـ).
في أعقاب فظائع الاغتصاب الجنسي في البوسنة ورواندا، شهد المجتمع الدولي صعوداً تدريجياً للقواعد القانونية الجديدة التي عملت المؤسسات الدولية على بلورتها. فقد اعتبرت أعمال العنف الجنسي جرائم قائمة بذاتها بموجب النظامين الأساسيين للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، اللتين أرستا سوابق قانونية فريدة في القضاء الدولي. فقد اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في قضية ديلاليتش أنّ الاغتصاب يمكن أن يُشكّل تعذيباً عندما يستوفي الشروط المحددة للتعذيب. ورأت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا في قضية أكاييسو وقضية موسيما أنّ الاغتصاب والعنف الجنسي يمكن أن يُشكّلا إبادة جماعية عندما تُستوفى الشروط المحددة للإبادة الجماعية.
كما أدرج العنف الجنسي في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في قائمة جرائم الحرب وفي قائمة الأفعال التي تشكل جرائم ضد الإنسانية متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة.

العنف الجنسي في زمن الحرب تهديد للأمن الدولي
أقر مجلس الأمن الدولي، لأول مرة بالآثار الأمنية الواسعة للاغتصاب في زمن الحرب، وأصدر في أكتوبر 2000 القرار رقم 1325، وهي المرة الأولى التي يتخذ فيها مجلس الأمن قراراً يتناول أثر الصراع المسلح على النساء والفتيات ويعتبره تهديداً للأمن والسلم الدوليين. ويهيب هذا القرار بجميع الأطراف في الصراعات المسلحة أن تحترم احتراماً تاماً القانون الدولي المنطبق على حقوق النساء والفتيات وحمايتهن، ولا سيما بوصفهنّ مدنيات، وكذلك الالتزامات التي تنطبق عليهنّ بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، واتفاقية اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الملحق بها لعام 1967، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 وبروتوكولها الاختياري لعام 1999، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكوليها الاختياريين المؤرّخين في 25 أيار/ مايو 2000 ، وأن تضع في اعتبارها الأحكام ذات الصلة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ وتدعو جميع الأطراف في الصراعات المسلحة إلى اتخاذ تدابير خاصة لحماية النساء والفتيات من العنف القائم على نوع الجنس، ولا سيما الاغتصاب وغيره من أشكال الاعتداء الجنسي، وجميع أشكال العنف الأخرى في حالات النزاع المسلح؛ ويشدد القرار على مسؤولية جميع الدول عن وضع حدّ للإفلات من العقاب ومحاكمة المسؤولين عن الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، بما فيها تلك المتعلقة بالعنف الجنسي وغيره من أشكال العنف ضد النساء والفتيات، ويشدد في هذا الصدد على ضرورة استبعاد هذه الجرائم، حيثما أمكن، من أحكام العفو.
استخدم الكيان الصهيوني منذ نشأته العنف الجنسي والاغتصاب كسلاح ضد الفلسطينيين أثناء ارتكاب العصابات الصهيونية المجازر في عام 1948


في 19 يونيو 2008، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1820 بشأن العنف الجنسي في حالات النزاع وما بعد النزاع لوقف أعمال العنف الجنسي ضد المدنيين في مناطق النزاع. ونص القرار على أن "العنف الجنسي، عندما يستخدم أو يؤذن به كتكتيك من أساليب الحرب من أجل استهداف المدنيين عمداً أو كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم حالات النزاع المسلح بشكل كبير وقد يعيق استعادة السلام والأمن الدوليين. واعتمد مجلس الأمن أيضاً القرار 1888 في عام 2009 بشأن حماية النساء والفتيات من العنف الجنسي في النزاعات المسلحة. ويطلب القرار من الأمين العام أن يكفل الإبلاغ بشكل أكثر انتظاماً عن حوادث العنف الجنسي، وأنماط الهجمات الناشئة، ومؤشرات الإنذار المبكر باستخدام العنف الجنسي في الصراعات المسلحة في جميع التقارير ذات الصلة المقدمة إلى المجلس. أما القرار 1960 المؤرخ في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2010 فهو يدعو أطراف النزاع المسلح إلى تقديم وتنفيذ التزامات محددة زمنياً لمكافحة العنف الجنسي، والتي ينبغي أن تشمل، في جملة أمور، إصدار أوامر واضحة من خلال التسلسل القيادي تحظر العنف الجنسي، وحظره في مدوّنات قواعد السلوك أو كتيّبات الدليل الميداني العسكري أو ما يعادلها؛ ويدعو كذلك تلك الأطراف إلى تقديم وتنفيذ التزامات محددة بشأن التحقيق في الوقت المناسب في الانتهاكات المزعومة من أجل محاسبة الجناة.



العنف الجنسي كتكتيك من أساليب الحرب
يمكن أن يرقى العنف الجنسي إلى أسلوب من أساليب الحرب والتكتيك الحربي، الغرض منه:
(أ) توسيع نطاق العنف ليشمل النساء بسبب فئتهنّ الإثنية أو الاجتماعية؛
(ب) العنف ضد المرأة؛
(ج) تعزيز الهيمنة الجنسية والكراهية والدمار؛
(د) تخويف المرأة وتدمير هويتها الشخصية؛ واستغلال النساء أثناء ضعفهن مع إضعاف معنويات الرجال لعدم حماية نسائهم؛
(ه) تغيير التركيبة السكانية لمنطقة ما عن طريق إنجاب النساء قسراً؛
(و) إرغام السكان على الفرار في الوقت الذي يبثّ فيه الرعب؛
(ط) إبادة مجموعة ثقافية بقطع صلات المرأة بمجتمعها؛
(ي) تنفيذ تكتيك عسكري استراتيجي لهزيمة العدو بطريقة تضمن الشعور بآثار النصر لفترة طويلة بعد الحرب.