في واحد من لقاءاته المتعددة مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، همس محمد حسنين هيكل في أذنه قائلاً: "طفت معظم دول العالم، والتقيت بأعظم شخصياتها مع الرئيس جمال عبد الناصر، أو وحيداً بحكم مهنتي كصحافي. دائماً ما كنت ببصّ للناس من فوق، أما أنت فببصلك من تحت"!
لم يع هيكل، عن قصد، في بدايات حزب الله، ماهية هذا التنظيم، ولم يتقصّد الاطلاع على أهدافه. خمَّن، وبعض التخمين إثم، أننا أمام مجموعة تتقن حرب العصابات ستنتهي كسابقها من التنظيمات، أمام إسرائيل. لكن الصورة تغيّرت لديه تماماً حين قرأ تصريحاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين قال فيه: "إسرائيل تعاني بشكل صريح من ثلاثة تهديدات: دولة نووية عدوة، أو حرب كلاسيكية بينها وبين جيوش العرب، أو تنظيمات إرهابية على شاكلة حزب الله".
طوى الفترة التي لم يرد فيها التعرف على الحزب، كما يطوي الانسان لحظة ذنب اقترفه ثم دفع به عميقاً في إحدى زوايا الذاكرة. اللقاء الأول مع نصرالله كان عام 1996، لتتتالى اللقاءات ليلية، لساعات طوال حتى يوشك الفجر على الانبلاج. يتحدثان فيها حتى الامتلاء، في الحياة والسياسة. ويقول أحد عارفيه إن زياراته، القليلة أساساً، الى بلاد الشام باتت مقصودة للقائين أساسيين: مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والسيد نصر الله. وينقل عنه قوله إنه بات يعتمد على هذين الرجلين لإدراك تفاصيل سياسات المنطقة.
عندما تجدد اللقاء بعد معركة القصير، شرح السيد، على خريطة وضعها أمامه، المعارك على أرض سوريا. دار نقاش حول الأسباب والدوافع والنتائج الميدانية والعسكرية. في النهاية، أكد هيكل للسيد أن على الحزب إدراك أن معركة القصير كانت الأهم منذ بداية الأزمة السورية، وأن أهم نتائجها أمران: عدم سقوط النظام، ومنع تقسيم سوريا كما يريد الأميركي.
هيكل كان مقتنعاً بضرورة تمتين العلاقات مع إيران. في لقائه الأخير مع السيد، أبدى اهتمامه باستعادة مصر دورها في العالم العربي. وطرح، جدياً، لمكانته لدى عبد الفتاح السيسي ومكانة نصرالله لدى مرشد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، أن يساهما في حل الخلافات وتوطيد العلاقة بين إيران ومصر، "القيمتين الحضاريتين "، كما كان يصفهما.
ينقل من حضروا بعض لقاءاته مع السيد نصرالله عنه قوله فيه إنه "رجل طيب وعذب في تعامله". وهو وصفه، في إحدى مقابلاته التلفزيونية، بأنه "ظاهرة مقاومة... قومي عربي حقيقي"، وفي أحد مقالاته بأنه "سيد كما يصفون. سيد في النسب فجده نبي الأمة، وسيد في الكلام والخطابة، وهو سيد في الوقار واللين، وسيد في القيادة والحنكة. أجلى من أن يعرَّف ... واتضح بعد لقائي به أنه أكبر من لبنان بكثير".
حين كانت تصعب اللقاءات، كان يستعاض عنها بالمراسلات، وأشهرها تلك التي أرسلها هيكل الى نصرالله بعد استشهاد ابنه قائلاً: "لقد رأينا الأبوّة تُمتحن بالجهاد إلى درجة الشهادة، ورأينا الجهاد يُمتحن بالأبوة إلى درجة البطولة. إنني لا أعرف ماذا أقول لك؟ فلا أنا راضٍ عن كلمة عزاء أواسيك بها، فأيّ كلمة عاجزة، ولا أنا قادر على الصلاة من أجلك، فصلاتك أقرب إلى عرش الله من أيّ قول أو همس يصدر عني أو عن غيري".