لا يتوقف كلب سنية قطيش عن العواء في باحة منزلها في حولا (جنوب لبنان). منذ أشهر، يشكّل عواؤه ـــ بحسب قطيش ـــــ إنذاراً مبكراً للغارات الإسرائيلية المرتقبة على البلدة الحدودية. لذلك، أطلقت عليه اسم «غارة». أخيراً، فرغت غالبية منازل جيران السيدة الخمسينية، في حي المعاقب المقابل لموقع «العباد» المعادي. ورغم اشتداد القصف والغارات، رفضت قطيش النزوح كما فعلت في عدوان تموز 2006. لم تمل أو تنهك أو تشعر بالخطر. نذرت نفسها لـ «حاكورتها» ودكانتها الصغيرة والكلاب والقطط الشاردة التي تتنادى إليها لإطعامها.قبل أقل من شهر، لم تكن قطيش آخر الصامدين في حولا. كانت لا تزال هناك عائلات موزعة على الأحياء كافة، متحدية محاولات التهجير المتكررة. لكن استهداف المدنيين (استشهد عشرة مدنيين بينهم سيدتان)، كان رسالة قاسية تلقفوها على مضض. طوال ثمانية أشهر، تربّص مهند دياب وزوجته زينب وأطفاله الأربعة في منزلهم بوجه العباد. كابروا جميعاً وتحملوا الخوف والخطر. لكنه رضخ قبل أقل من شهر لنصائح المغادرة. «وافقت على الخروج خشية على سلامة المقاومين الذين كانوا يجيئون إلى منزلي لتفقدنا وتأمين حاجياتنا. وبعدما استُشهد بعضهم بغارات، فيما دمّر الدكان الذي كنا نشتري منه أغراضنا، قررت الانتقال إلى بلدة شقراء المقابلة، طلباً للأمان» يقول دياب لنا. لكن الأمان المنشود لم يدم سوى يومين فقط. أغارت مسيرة معادية على منزلهم الجديد. نجت زوجته زينب وأطفالها، فيما دياب كان في عمله في مرفأ بيروت. نجله علي (12 عاماً) استذكر لنا كيف نجا من النيران التي أشعلها الصاروخ في المنزل. «ظنت والدتي أن انفجاراً وقع في المنزل ولم يخطر في بالها أنها غارة. إذ إن شقرا حتى ذلك اليوم، لم تكن قد شهدت أي غارة منذ بداية العدوان. بسرعة جمعتنا والدتي أنا وإخوتي الثلاثة وسارعت إلى الخارج، مستغيثة بالجيران». في اليوم التالي، أعادت طائرة حربية معادية الغارة على المنزل نفسه، فأحالته إلى ركام. يتمنى دياب لو يستطيع العودة إلى حولا «لأن فيها الأمان الأكبر، رغم الغارات. والمسلّم هو الله». لكن الأزمات النفسية التي بدأ يعانيها أطفاله، أجبرته على إبعادهم عن دائرة الخطر.
قبل أيام، عاد دياب وأسرته إلى حولا للمشاركة في تشييع عديله الشهيد جلال ضاهر الذي قضى بغارة على منزل في حولا يوم الأحد الماضي. والد ضاهر، علي ضاهر، كان أحد أبناء البلدة الذين ناضلوا في الأحزاب اليسارية والحركات النقابية نصرةً لحقوق العمّال وتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي. سار ضاهر الأب، على طريق العشرات الذين جعلوا البلدة أيقونةً للمقاومة والنضال. المسار مترابط. فالشهداء الجدد على طريق القدس، يشيّعون من أمام نصب شهداء مجزرة حولا التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 1948.