القاهرة | أعلنت الكاتبة المصرية عبلة الرويني، زوجة الشاعر الراحل أمل دنقل (1940-1983)، عبر صفحتها على فايسبوك، بأنّ التغييرات الجديدة في جريدة «الأخبار» الحكومية المصرية، جعلتها تتوقف عن كتابة مقالها اليومي «نهار» بعد 17 عاماً على مواظبتها عليه. وكتبت الرويني: «للأسف هذا نهاري الأخير في جريدة «الأخبار»، بعد 17 عاماً من الكتابة اليومية الثابتة... وبعدما أحدث التطوير الجديد للجريدة تعديلات في الأعمدة الثابتة والمقالات اليومية بصورة لم تعد تناسبني ولا تلائمني». منشور انهالت عليه التعليقات الغاضبة من المثقفين المصريين الذين أكدوا على أنّ جريدة «الأخبار» القاهرية هي التي «خسرت» كاتبةً كبيرةً بقيمة الرويني، وأنّ منابر صحافية كثيرة تتمنى أن تنضم إليها كاتبة بحجم الرويني. وكان المقال الأخير الذي أطلت به الرويني على قرّائها بعنوان «المقاومة أولاً» في اليوم الأول من حزيران (يونيو) الجاري، تحدّثت فيه عن أطفال رفح، وما يحدث لهم جرّاء العدوان الإسرائيلي، وأوردت فيه: «دول العالم تواصل اعترافها رسمياً بدولة فلسطين... المحكمة الدولية تصدر قراراً بوقف الهجوم العسكري على غزة فوراً، وبصدد قرار إدانة إسرائيل واعتقال نتنياهو كمجرم حرب... العالم كله يتضامن... لكن لا شيء يحدث بعد ذلك! لا شيء يحدث سوى المذبحة، والقتل وحرق المدنيين أحياء، وقطع رؤوس الأطفال!». ودعت في مقالها إلى المقاومة واستمرارها.
ويبدو أن المقالات الأخيرة كانت السبب وراء توقّف مقالات الرويني في «الأخبار»، فيما الحديث عن تغييرات الصفحات و«التطوير في الجريدة» ليس إلا حجّة واهية لجعل زوجة الجنوبي وصاحب «لا تصالح» تتوقف عن الكتابة. فقد كانت مقالاتها الأخيرة تهاجم إسرائيل بشدة و«حرب الإبادة» التي تشنّها قوّات الاحتلال في غزة. وقالت الرويني في مقالها «بيت العنكبوت» إنّ إسرائيل هُزمت في غزة وأن نتنياهو «محطّم معنوياً». وبعدما مزّق مندوب «إسرائيل» ميثاق الأمم المتحدة علناً، كتبت الرويني في منتصف شهر أيار (مايو) الماضي مقالاً دعت فيه إلى «طرد إسرائيل من الأمم المتحدة». وقالت إنّ رد الأمم المتحدة على موقف مندوب «إسرائيل» لم يكن على قدر الحدث و«ما فعله مندوب إسرائيل».
ولا يوجد من يهاجم إسرائيل بهذا الشكل وبتلك العناوين في الصحافة المصرية، مخافة بطش أجهزة الأمن، إذ تعرّض عدد من طلبة الجامعات لاعتقالات بسبب عزمهم تنظيم مسيرات تحتج على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وهو المصير نفسه الذي طال نشطاء بارزين أيضاً. لكن الرويني دأبت منذ بداية الحرب على غزة على كتابة مقالات تهاجم إسرائيل حملت عناوين مثل «قانون المقاومة» و«جنوب أفريقيا...»، و«ادعي لغزة»، و«محاكمة إسرائيل». وتحظى مقالات عبلة الرويني بمتابعة واسعة، وخصوصاً عبر فايسبوك، إذ تشارك متابعيها المقالات بشكل يومي، وهي العادة التي توقفت على ما يبدو لأنّ زوجة الشاعر صاحب الكلمات الأكثر جرأة ورفضاً لاتفاقية السلام مع العدو، هي الأخرى «لن تصالح»، ولن تتكيف مع الأوضاع المتردية المتعلقة بطريقة تسيير الصحف الحكومية.
وفي شهر نيسان (أبريل) الماضي، أُعلن عن حركة تغييرات في الصحف القومية المصرية عن طريق «الهيئة الوطنية للصحافة» التي تتبعها الصحف الحكومية في مصر، وترأّس تحرير جريدة «الأخبار» اليومية أسامة السعيد قرطام، فيما ترأّس تحرير جريدة «أخبار اليوم» الأسبوعية محمود بسيوني. أما مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم» التي تتبع لها الجريدتان، فترأسه إسلام عفيفي. علماً أنّ هذه التغييرات أمنية لا تحظى عادة بترحيب في الأوساط الصحافية حتى من هؤلاء الذين يعملون في الصحف نفسها، لمعرفتهم بأنّها اختيارات قائمة على الأهواء والمجاملات لا العمل الحقيقي والاستحقاق.