في الذكرى الرابعة والسبعين على النكبة، أطلقت «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» بالشراكة مع «المتحف الفلسطيني» مشروعاً رقمياً عملا عليه طوال ثماني سنوات: إنّها «الموسوعة الفلسطينية التفاعلية» التي تُعدّ منصّة رقمية تتبع تاريخ فلسطين الحديث منذ نهاية الحقبة العثمانية حتى الوقت الراهن. تتضمن المنصّة آلاف النصوص، أعدّها خصيصاً للمشروع باحثون عرب وأجانب متخصّصون في القضية الفلسطينية. جهد رمى إلى جعل المنصة بمثابة مرجع بالنسبة إلى الباحثين والطلاب والمهتمين. وقد أُطلقت المنصة الأسبوع الماضي في مقرّ «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» في بيروت بالتزامن مع مقر «المتحف الفلسطيني» في رام الله.
مخيّم «عقبة جبر» (جنوب غرب أريحا ــ غير مؤرخة ــ أرشيف الأونروا)

افتتحت الاحتفال المديرة العامة للمتحف الفلسطيني عادلة العايدي التي أشارت إلى أن الموسوعة بمثابة «متحف القضية الفلسطينية»، فيما وصف رئيس مجلس أمناء «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» طارق متري المشروع بأنّه تراكمي لا يخاطب الباحثين فحسب، بل أيضاً جميع المعنيين بالقضية، مضيفاً أنّه «لا يكتفي بالأحداث فحسب، بل أيضاً يطال الأمكنة والأشخاص، وهو حيوي لأن الصراع حول الرواية التاريخية ما زال قائماً، لا بل يزداد حدة». وتابع أنّ هذا المشروع يواجه الرواية الأخرى برواية تعتمد على مصادر فلسطينية وغير فلسطينية، وهنا تكمن قوته.
وأضاف مدير «المتحف الفلسطيني» عمر القطان أن أحد التحديات أمام محرري هذا الموقع، هو إيجاد الصيغ التي تنتج المعرفة من وجهة نظر الباحثين الفلسطينيين والعرب والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية، وتظهر جوانب من هذا التاريخ التي عتّمت عليها الرواية الصهيونية، و«الأهم أنّها تتيح المعلومات بشكل حديث ومفتوح لأجيال جديدة من الفلسطينيين، لا سيما أولئك الذين لا يعرفون القضية لأن المنهاج لا يوفر هذا التعليم. ويأتي هذا المشروع كمحاولة من المتحف لنشر المعرفة وليس فقط إنتاجها. ويوفر معرفة تتنقل بين الباحثين والطلاب والمهتمين. ونأمل أن نستمر في تحديث المحتوى وأن نحدّث المحتوى لتحويل المعرفة إلى منصات تروي هذا التاريخ. ومن مصادر الفخر هو كم انتشر هذا الموقع منذ إطلاق أول منصة وهي «رحلات فلسطينية» عام 2018». وعن الشراكة بين المؤسستين، أضاف القطان أنها ليست مصادفة لأن كلا المؤسستين «معنيّتان بنشر المعرفة وتكثيف التواصل مع العرب والمناصرين وأنه في المستقبل، سيتم التوجه إلى الجمهور غير المناصر. وأجمل ما يميز هذه المنصة هو دمج الجدية والنوعية مع التكنولوجيا واستخدامها بشكل غير أكاديمي».
أما المدير العام لـ «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» خالد فراج، فقد تطرّق إلى العلاقة بين «المتحف الفلسطيني» و«مؤسسة الدراسات»، واصفاً إياها بأنها علاقة «قامت قبل تشييد مبنى المتحف في رام الله واستمرت خلال السنوات العشر الماضية، وأصبحت هناك أنشطة مشتركة، والهدف منها هو خدمة الشعب والقضية الفلسطينيّين. وهذا المشروع هو امتداد لعمل «مؤسسة الدراسات». وبعد أقل من عام، ستحتفل «مؤسسة الدراسات» بعامها الستين وتكمل طريقها اليوم نحو إنتاج معرفة جادة حول القضية الفلسطينية».
وقدم رئيس تحرير كميل منصور من بيروت عرضاً مهماً حول الموسوعة ومميزاتها وأهميتها، قائلاً بأنها «ثمرة تعاون بين المتحف والمؤسسة، وقد تطلّب إعدادها أكثر من عشر سنوات من النقاش والتخطيط والتنفيذ تخلّلتها آلاف الساعات من المراجعة وقد شارك في إعدادها وتحريرها العشرات من الباحثين والمحرّرين ومدخلي البيانات. وقد شكّلت منصة «رحلات فلسطينية» التي تضمّنت المسرد الزمني التفاعلي للقضية الفلسطينية البنية التحتية للموسوعة، وهناك استمرارية بين «رحلات فلسطينية» والموسوعة الجديدة. أما المنصة الجديدة، فتتضمن أكثر من ألفي حدث وأكثر من ألف مقالة متخصصة وأكثر من أربعمئة نبذة عن القرى المهدّمة وعشرات الجداول، ونظام معلومات جغرافية ومئات الوثائق والصور والخرائط. وبفضل تكنولوجيا المعلومات، تمّ الربط بين هذه المعلومات».
وعن مميزات هذه الموسوعة وأهميتها، شرح كميل منصور أنها «ليست مشروعاً منافساً أو بديلاً عن «الموسوعة الفلسطينية» التي أشرفت على إعدادها «منظمة التحرير الفلسطينية» بالتعاون مع «المنظمة العربية للتربية والعلوم» في سبعينيات القرن الماضي وقد صدرت يومها في 11 مجلداً في عام 1984 و 1990. وقد لعب الكاتب والباحث والمفكر أنيس صايغ الدور الأكبر فيها.
يتضمن المشروع صور القرى المهدَّمة التي سيتم الربط بينها وبين مخيمات اللاجئين

تضمّنت هذه الموسوعة أربعة موضوعات هي: جغرافيا فلسطين، وتاريخها، وحضارتها، والقضية الفلسطينية. أما الموسوعة الجديدة، فهي أكثر تواضعاً لأنّ موضوعاتها تقتصر على القضية الفلسطينية وهي تتميز بالمنهجية المتبعة في إعدادها. فبينما تحتوي الموسوعة التقليدية على مجموعة مداخل تعالج المفاهيم المتفرعة من عنوان رئيسي وتكون مرتّبة منطقياً، فإن «الموسوعة الفلسطينية التفاعلية» (palquest) اتبعت منهجية مبتكرة. إذ يشكل جدول الأحداث فيها عمودها الفقري، لثلاثة أسباب: الأول، هو جدولة تنفيذ المشروع على مدى عشر سنوات، والثاني يتعلق بطبيعة القضية الفلسطينية، وهي مجموعة أحداث وتطورات يقوم بها فاعلون ضد فاعلين آخرين. والسبب الثالث هو الإفادة من ثورة تكنولوجية تُتيح التفاعل بين مواد مختلفة داخل المنصة الواحدة، وكذلك إنشاء روابط متشعبة بين الأحداث والوثائق. أما الصفة المميزة في هذه المنصة، فهي صور القرى المهدمة التي سيعمل في المستقبل على الربط بينها وبين مخيمات اللاجئين». وناقش منصور أن المنصة تتوجه إلى الجمهور العام، وتم إعدادها بتصميم غرافيتي جذاب للوصول بيُسر إلى المعلومات، وتهدف إلى تعريف الشباب الفلسطيني على قضيته وكذلك الشباب العربي لأن القضية الفلسطينية هي قضية عربية، ولكي تُسهم في تضامن الشباب العربي وشعورهم بأن المخاطر التي تحدق بفلسطين تشكّل خطراً على العالم العربي. وقد كان الحرص أيضاً على أن تكون المواد متوافرة باللغة الإنكليزية للوصول إلى الشباب في المهجر. أما الفلسفة التي اعتمدت في إعداد الموسوعة، فقد بنيت على فلسفة المؤسسة والمتحف، أي تقديم وصف دقيق لوقائع القضية وتصوير الفلسطينيين كما هم لا ضحايا، بل أناس ينجحون ويفشلون».

* www.palquest.org



مبادِر لا ضحية!
تتبّع «الموسوعة الفلسطينية التفاعلية» تاريخ فلسطين الحديث منذ نهاية الحقبة العثمانية حتى الوقت الراهن، وتضمّ آلاف النصوص تقدّم جدولاً عاماً للأحداث بتواريخها المحددة، وجداول زمنية في موضوعات مختارة؛ وإضاءات على تطورات سياسية وعسكرية ومؤسسات، وأوجهاً مهمة من الحياة الفلسطينية الاجتماعية والثقافية والنضالية؛ وسيَراً لشخصيات فلسطينية تركت بصماتها في تاريخ فلسطين في القرن العشرين؛ ومئات الوثائق التاريخية والصور والخرائط؛ ونبذة عن كل قرية من القرى الأربعمئة ونيف التي تهدمت خلال النكبة (استناداً إلى كتاب وليد الخالدي «كي لا ننسى» الصادر عن «مؤسسة الدراسات الفلسطينية»)، وربطها بنظام معلومات جغرافية. وجاء في بيان التعريف المشروع: «تستهدف الموسوعة الأكاديميين والطلاب والصحافيين والجمهور العام، وتعكس حرص المؤلفين والمحررين على إبراز الشعب الفلسطيني كفاعل ومبادر، وليس فقط كضحية للمشروع الاستعماري - الصهيوني – الإسرائيلي في مختلف مراحله».