لم تؤثّر القضية الفلسطينية في «قلب» النواب فحسب، بل إنه كان أمراً متبادلاً. بمقدار ما أثرت به، أثّر فيها وفي شعرائها حدّ الثمالة. اعتبره كثيرون الوريث الشرعي للشاعر الفلسطيني الكبير عبد الكريم الكرمي «أبو سلمى» (1909-1980) فضلاً عن تأثيره على جيلٍ بأكمله من الشعراء الفلسطينيين (بحسب كتاب «الصوت والصدى... مظفر النواب وحضوره في فلسطين» لأستاذ الأدب والنقد في جامعة «النجاح الوطنية» في غزة عادل الأسطة). الشاعر الناقم صاحب معلّقة «هوامش على دفتر النكسة»، التي تعرفها غالبية الناس عبر اسمها الشعبي «القدس عروس عروبتكم» عرفه الجمهور الفلسطيني نجماً. كانت تلك القصيدة، هي التي أرست علاقته بالجمهور العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً مع جملٍ شديدة القوة، والجزالة، فضلاً عن مشاعر وانفعال حميم اللهجة عميقها: من باع فلسطين سوى أعدائك أولئك يا وطني/ من باع فلسطين وأسرى بالله سوى قائمة الشحاذين/ على عتبات الحكام ومائدة الدول الكبرى/من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة ؟!/ القدس عروس عروبتكم !!/ فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها/ وسحبتم كل خناجركم... وتنافختم شرفاً/ وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض/ فما أشرفكم أولاد القحبة... هل تسكت مغتصبة؟!لم يسكت مظفّر كثيراً، الشاعر الذي تعرَّض للحكم بالإعدام أكثر من مرّة، ولخطر الموت مراراً، كان يعرف أن سلاحه هو الكلمة. اختلف عن معظم شعراء مرحلته، كان مباشراً أكثر، شغوفاً بمواقفه، لا يحيد عنها، ولا يغيّر رأيه إطلاقاً. هذه الصفة جعلته في المخيال الشعبي الفلسطيني جزءاً من التراث الثقافي؛ فحكي الكثير عن تشابهات بينه وبين معين بسيسو مثلاً في كتابه «دفاتر فلسطين»، خصوصاً في لعبة «الذاكرة» التي يدور حولها الشاعران: الجلاد أمام الضحية، السجين أمام سجانيه، كل هذه الخطوات كانت تقود لعلاقةٍ أكبر مع فلسطين. عرف السيّاب كذلك بأنه يقع حكماً في مكانٍ «مجازي خاص» بين شاعرَي فلسطين الكبيرين محمود درويش وسميح القاسم، ومكانته الخاصة تلك لربما كانت لأنهما - كليهما - كتبا بِنَفَسِهِ أحياناً، وإن «تراجعا» عن تلك القصائد في لحظةٍ لاحقةٍ ما. كتب درويش قصيدة «أنا الآخر» مثالاً، وكتب القاسم قصيدة «السلام» (التي تنتقد اتفاقيات السلام الموقّعة ومن يوقّعها)؛ لاحقاً حذف درويش «أنا الآخر» من مجموعته الكاملة، كما أبعد سميح «السلام» عن دواوينه المنشورة. عرف النوّاب غضباً كثيراً أثناء حديثه عن فلسطين والقضية، فكان صوتاً صارخاً حين حديثه عن مجزرة «تل الزعتر» فقال: «فعاصمة الفقراء لقد سقطت/ حاول طفل أن يسـتـر جثة جـدته/ فمن المخجل أن تعرض أفخاذ الجدة/ أردوه على فخـذيها/ لا بأس بني فذاك غطاء/ هل تلد المرأة في الخيمة إلا جيشاً؟/ أولاد فلسطين/ سوف تعودون إلى أرض فلسطين ولكن جثثاً». فتن الشاعر العراقي بناجي العلي لا كرسامٍ فحسب، بل كشخصٍ صاحب مبادئ وفكر، هزّه رحيله المفاجئ شهيداً، فرثاه بقصيدة جميلة، كان يبدو فيها التأثر والشجن أكثر من الشعرية. لكن مع هذا، باتت من معالم وداع ناجي قائلاً مثلاً: «ألا أيها العربي القليل المحارب/ في الزمن الأجنبي/ فتلت تمائمهم لاصطيادك حبلاً/ وألقيته في المدى/ قنصا قانصيك/ تخططهم في الخطوط فتصطادهم/ وكأن الخطوط شباك/ وأنت أمير الصراط الجميل».
عرف بأنه يقع حكماً في مكانٍ «مجازي» بين محمود درويش وسميح القاسم


أبدع النوّاب في توصيف عملية «قبية» (1987) التي استشهد فيها المقاوم خالد أكر من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة» حين طار بطائرته الشراعية ليحطّ في موقع «غيبور» الصهيوني ويقتل أكثر من عشرة جنودٍ صهاينة من لواء النخبة «غولاني»، ويجرح عدداً كبيراً وهو لما يتجاوز التاسعة عشر من عمره، فكتب النواب قصيدته: «قل هي البندقية أنت»: «الدجى والمدى جنحه/ نجمة للصباح الجميل/ كرياح الأعالي اختفى/ ما أحسست به غير زيتونة/ ألف قلب على كل غصن بها/ في الجليل/ شفرته إلى الأرض/ فارتفعت فقبلت قدميه/ لقد جاء في الزمن المستحيل».