دمشق | في إحدى الحارات الشعبية في ضواحي دمشق، يجتمع أولاد الحارة واضعين أيديهم على آذانهم تحسباً لقوة الصوت. يحبسون ضحكاتهم، وينبهون المارّة إلى ضرورة البقاء حيث هم حتى لا يظهروا أمام الكاميرا فيجبروا المخرج على الإعادة. يأتي صوت الانفجار مكتوماً، مترافقاً مع موجة خانقة من الغبار. يمسح الصبية والبنات أعينهم، يضحكون مجدداً، يتهامسون باستغراب: «بس هيك؟». يبدو المشهد سوريالياً برمّته، فأصوات الانفجارات المباغتة تصيبهم عادةً بالهلع، وتجلب معها رائحة الموت الثقيلة، لكنّها اليوم تضحكهم.
اضحك إذاً، فأنت في كواليس تصوير المشاهد الأولى من «بقعة ضوء 10».
«الأخبار» حضرت تصوير اللوحة الأولى من السلسلة الشهيرة بإدارة المخرج عامر فهد. تحمل اللوحة عنوان «مصائب قوم» (كتابة حازم سليمان) من بطولة أيمن رضا وآخرين. يؤدي رضا دور معقّب معاملات، يستكمل الإجراءات الكفيلة بحصول ضحايا التفجيرات على تعويضاتهم، ليأخذ هو الحصّة الأكبر منها. مهنته الطارئة التي باتت مصدر رزقٍ كبير له على هامش الحرب، تجعله في حالة مواكبة لأخبار التفجيرات أولاً بأول، وتدفعه إلى التنقل بسرعة البرق بين حيٍّ وآخر بحثاً عن «رزقة جديدة»، في إطار من الكوميديا السوداء.
رغم كثافة غبار التفجير المصطنع، يجتهد الواقفون خلف الكاميرا لكتم ضحكاتهم التي أثارتها كلمات أيمن رضا، وحركاته، وانفعالاته، في أداء يصرّ على أن يكون عفوياً ومرتجلاً. هكذا، يلتقط ردود الأفعال الأولى من المكان، ويبدو سعيداً بها، فهي تعطيه «حافزاً ودافعاً أكبر». في حديث مع «الأخبار»، يشبّه رضا الأداء في «بقعة ضوء» بالأداء المسرحي لـ«مسرح الشوك» الانتقادي الذي اشتهر في الستينيات على يد المؤسس عمر حجو، مشيراً إلى أن «بقعة ضوء» عَمِلَ على تكثيف «مسرح الشوك» وتحويله إلى التلفزيون. يشير رضا إلى أنّ وجوده في «بقعة ضوء10» يبدو مكثفاً، مقارنةً بالأجزاء الخمسة الماضية، وما حفزه على ذلك هو «الأحداث الفظيعة التي نعيشها، وإلحاح الناس على وجودي في العمل». يؤكد تركيزه على الأفكار المقدّمة، وملامستها للواقع الحالي، أكثر من اهتمامه بالتمثيل. يضيف: «سأشارك في اللوحات التي أراها تتناسب مع الاتجاهات التي رسمتها لـ«بقعة ضوء»». لكنه يرفض تكرار الحديث عن «علاقة عاطفية» تربطه بهذا المشروع، وانتقاداته المتكررة له لخروجه عن مساره ثم العودة إليه، وينوّه مجدداً إلى أنّه من صنّاع المشروع منذ ولادة فكرته الأولى.
المخرج عامر فهد بدا مرتاحاً لأجواء اليوم الأوّل من التصوير: «الأمور ميسّرة عموماً، الكل يعمل بمحبّة وينجز المطلوب منه بسرعة». لا يخفي فهد قلقه من الأوضاع الأمنية عموماً، انطلاقاً من مسؤوليته كمخرج على سلامة العاملين في المشروع. وهنا يؤكد حرصه على اختيار الأماكن الأكثر أماناً في دمشق للتصوير.
يوضح أن تعثّر «بقعة ضوء» في الموسم الفائت، لم يكن بسبب الخلاف على اختيار أماكن التصوير، وما أشيع عن طلبه تصويره خارج البلاد. يعلّق: «أنا لم أكن جاهزاً للعمل، اشتدت الأزمة على سوريا كثيراً خلال العام الماضي. نفسيتي كانت سيئة، ولا يمكنني المغامرة بنجاح الجزءين الثامن والتاسع لأنجز العاشر بأي ثمن». لكن ما الذي تغيّر الآن؟ يجيب: «أصبحت الأمور أكثر وضوحاً، ثم إلى متى سنبقى صابرين، وصامتين؟ آن الأوان لنتحدث عما يجري في البلاد، و«بقعة ضوء» هو الأقدر باعتقادي على إيصال الفكرة للمشاهد».
ماذا عن مستوى الجرأة في لوحات العمل؟ وهل واجهتم صعوبات مع الرقابة؟ يجيب بأنّ معظم لوحات الجزء العاشر «تتناول الأزمة السورية في إطارٍ من الكوميديا السوداء»، ويضيف: «توقعت رفض 20 لوحة أو أكثر، لكن تقرير الرقابة كان جيداً، اعترضوا على تفاصيل بسيطة، ورفضت لوحة واحدة، قررت استبعادها». يوضح فهد أن اللوحة المستبعدة: «تتحدث عن انتشار السلاح بين الأطفال؛ إذ صورت القنوات الإخبارية أخيراً أطفالاً يحملون الأسلحة، أردنا التنبيه إلى خطورة الموضوع، إلا أن الرقابة عدّته نوعاً من التكريس لهذه الحالة». يمضي عامر فهد في تصوير أحدث أجزاء السلسلة الانتقادية الشهيرة حتى منتصف أيار (مايو) المقبل كي تكون جاهزةً لرمضان 2014. العمل (إنتاج «سما الفن») يضمّ معظم نجوم الأجزاء السابقة كأمل عرفة، أيمن رضا، باسم ياخور، شكران مرتجى، عبد المنعم عمايري، محمد خير الجرّاح وآخرين. ويشير المخرج إلى أن النجوم هم من تواصلوا معه لإبداء رغبتهم بالمشاركة في العمل لإيصال رسالةٍ ما، معرباً عن أمله بنجاح الجزء الجديد في «زرع البسمة على شفاه السوريين الذين يليق بهم الفرح». أما على مستوى الكتّاب، فقد شارك في السلسلة حازم سليمان، ومازن طه، وكتّاب آخرون.



«مرايا» الجزائر

رغم رفضه إنجاز الجزء العاشر من «بقعة ضوء» في سوريا الموسم الفائت بسبب «ظروفه النفسية السيئة»، صوّر المخرج عامر فهد «مرايا 2013» في الجزائر. «فعلت ذلك تلبية لطلب الممثل ياسر العظمة. كان مأمون البني مرشحّاً لإدارة العمل، لكن ذلك لم يحدث لأسباب لا يحق لي الخوض فيها».
وعن التصوير في الجزائر، أوضح فهد أنّه جاء نزولاً عند رغبة المنتج الجزائري الذي كان يرغب في إبراز مدينته، مضيفاً أنّ «الجزائر العاصمة تشبه مدناً سورية عدة». وأكد المخرج السوري أنّه قدّم رؤيته الخاصة في «مرايا»، السلسلة التي تناوب على إخراجها أسماء عدة. لكن الجزء الأخير لم يحظ بفرص عرض كافية، ولم يحقق أصداءً تذكر في الصحافة.