خالد صاغيّة
فجأة، ومن دون سابق إنذار، تحوّل دعاة التنوير في العالم العربي إلى دعاة للاستبداد. كيف لا، وثمّة «بعبع» سيطر على غزّة، وزميل له «يمنع قيام الدولة» في لبنان، وزملاء آخرون ينتشرون في أرجاء دنيا العرب يزرعون «الأفكار الظلاميّة». وبصورة تنويرية لافتة، تبنّى دعاة الحداثة مقولة «كلّه عند العرب صابون»، مقسّمين العالم إلى فسطاطين.
فجأة، ومن دون سابق إنذار، تحوّل الليبراليّون إلى أعداء الليبرالية ودعاتها في الآن نفسه. وتحوّل الديموقراطيّون إلى دعاة الديموقراطية وأعدائها في الآن نفسه. وراح آخرون يكتشفون أنّ تقبّل الآخر واعتماد نتائج صناديق الاقتراع تحتاج إلى شروط تاريخيّة لا تتوافر في جماهير شعوبنا العربية. كأنّما الديموقراطية مكافأة تُمنَح لمن اجتاز عتبة من التقدّم كما تقيسه آخر المؤشّرات المبتكرة في مراكز الأبحاث الأميركية. وكأنّ العقل وحده يحسم خيارات الشعوب الغربية التي تقترع، على ما يبدو، وفقاً لمعادلات علميّة لا يفقه فكّ رموزها إلا بعض الليبراليين العرب الذين نصّبهم التاريخ أوصياء على شعوبهم.
هكذا أصبحت أنظمة القمع خشبة الخلاص التي من دونها ستنهار آخر حصون القيم الحديثة في مجتمعاتنا. فهراواتها وسجونها (وإعلامها) هي السدّ المنيع أمام المدّ الأصوليّ. وتبعيّتها هي جسر التواصل المتين مع أنظمة الغرب الحديثة. الهراوة تمنع «التخلّف» من الانتشار السرطانيّ في جسد مجتمعاتنا، والارتهان يحمل إشعاع النور الحضاريّ. ثنائيّة لا يزيد من رعبها إلا أنّه يتمّ تبنّيها الآن باسم الاعتدال والعقل والحداثة.
الهراوة والعقل
- منوعات
- خالد صاغية
- الثلاثاء 10 تموز 2007