في ظل تفشي ظاهرة التسول، هل تكون الحلول بتجريم فعل التسوّل فحسب عبر معاقبة المتسولين، ام بخطة متكاملة تتضمن تجريم العصابات التي تتولى امتهان هذا العمل وتشرف على الاطفال والنساء والمقعدين ، ويعتبر عملها بمثابة اتجار بالبشر؟وتجدر الإشارة إلى أن البيانات المتوفرة لدى الحكومة حول أعداد المتسولين نادرة إلى درجة الغياب ما يشير إلى أن الاجراءات الحكومية في هذا المجال معدومة.
وفي مقارنة بين لبنان والمغرب، على سبيل المثال، قرر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي في رأيه الصادر مؤخراً بعنوان «من أجل مجتمع متماسك وخالٍ من التسول» أن تجريم التسول والتشرد غير كاف، وأنه رغم وجوده في قانون العقوبات، يظهر حدودا من حيث الفعالية والمواءمة مع المعايير الدولية، مما يعني أنه يفضل عدم تجريم هذا الفعل.

جريمة التسوّل
أفرد قانون العقوبات في الفصل الأول لهذه المسألة تحت عنوان «في المتسولين والمتشردين»، في المادة 610، على أنه من كانت له موارد، أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان، إما صراحة أو تحت ستار أعمال تجارية، عوقب بالحبس مع التشغيل لمدة شهر على الأقل وستة أشهر على الأكثر، ويمكن فضلاً عن ذلك أن يوضع في دار للتشغيل وفاقاً للمادة 79، ويقضى بهذا التدبير وجوباً في حالة التكرار.
كما تنص المادة 611 من قانون العقوبات على انه من أصبح بسبب كسله أو إدمانه السكر أو المقامرة مجبراً على استجداء المعونة العامة أو الإحسان من الناس، عوقب بالحبس مع التشغيل من شهر إلى ستة أشهر. وللقاضي، فضلاً عن ذلك، أن يحكم بوضع المحكوم عليه في إحدى دور التشغيل ومنعه من ارتياد الحانات التي تباع فيها المشروبات على ما نصت عليه المادتان 79 و80.

مصادرة أموال المتسولين من غير الفقراء
عام 1950، قرر مجلس النوّاب اللبناني التشدّد مع المتسولين وأصدر قانوناً بمصادرة أموالهم. فمن كان يحكم عليه بجريمة التسول المنصوص عليها في المادة 610 وما يليها من قانون العقوبات وتضبط معه أو في مسكنه أو لدى شخص مؤتمن من قبله دراهم او حلى او أوراق مالية أو شهادات ملكية او اسناد دين، تصادر هذه الأشياء لحساب الدولة بحكم من محكمة الجزاء ذات الصلاحية. وتستوفى قيمة اسناد الدين من موقّعيها وتنقل الاملاك لاسم الدولة بموجب الحكم الصادر عن المحكمة المشار اليها، مما يعني أن من يدّعي الفقر ويمارس التسول رغم أنه من غير المحتاجين تتم مصادرة أملاكه.
ولكن، على خلاف الوضع الحالي، كانت الحكومة تقيم مراكز للإيواء تضم المشردين والمعوزين، وتدفع للمراكز بدلات إيواء من موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، حُدد البدل اليومي لإيواء المتسولين والمشردين وغيرهم بموجب المرسوم رقم 15269، بتاريخ 15/03/1957 كالآتي:
- عن العجزة والمحتاجين في المؤسسات الخاصة والفتيات المحكومات في المؤسسات وعن المتسولين والمتشردين والأولاد ذوي الأوضاع الاجتماعية الصعبة: 150 غرشاً لبنانياً
-عن المتشردين والمتسولين من ذوي العاهات: 250 غرشاً لبنانياً
-عن الأيتام واللقطاء: 110 غروش لبنانية

المتسول الحدث ضحية
التزم لبنان في مقدمة دستوره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر العام 1948، والمواثيق الدولية الراعية لهذه الحقوق، ومنها «الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل» التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة (في 20/11/1989)، والتي صدّقت عليها الحكومة اللبنانية بتاريخ 20/11/1990. ووقّع لبنان بتاريخ 26/10/1990 اتفاقية حقوق الطفل التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20/11/1989، وشرعة حقوق الطفل المصادق عليها بموجب القانون رقم 20 تاريخ 30/1/1990.
كما ان الملحق رقم 1 الذي صدر بناء على اتفاقية العمل الدولية رقم 182 (تحظير اسوأ اشكال عمل الاطفال) المبرمة بموجب القانون رقم 335 تاريخ 2/8/2001 والتوصية رقم 190، وكذلك اتفاقية العمل الدولية رقم 138 (الحد الادنى لسن الاستخدام) المبرمة بموجب القانون رقم 400 تاريخ 5/6/2002، واتفاقية العمل العربية رقم 18 (بشأن عمل الاحداث) المبرمة بموجب القانون رقم 183 تاريخ 24/5/2000، كلها تؤكد على وجوب حماية الحدث المتسوّل وكذلك قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري الصادر عام 2014 والمعدل عام 2020.

امتهان التسول بالاحتيال: مكافحة الظاهرة بالحبس
عالجت المادة 613 من قانون العقوبات مسألة امتهان التسول بالاحتيال حيث تنص على انه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين مع التشغيل فضلاً عن وضعه في دار للتشغيل إذا كان غير عاجز، وبالحبس البسيط للمدة نفسها إذا كان عاجزاً، المتسول الذي يستجدي في أحد الظروف التالية:
1- بالتهديد أو أعمال الشدة.
2- بحمل شهادة فقر كاذبة.
3- بالتظاهر بجراح أو عاهات.
4- بالتنكر في أي شكل كان.
5- باستصحاب ولد غير ولده أو أحد فروعه ممن هو دون السابعة من العمر.
6- بحمل أسلحة أو أدوات خاصة باقتراف الجنايات أو الجنح.
7- بحالة الاجتماع ما لم يكن الزوج وزوجته أو العاجز وقائده.
ويمكن كذلك أن يفرض عليه تدبير الحرية المراقبة.

عصابات التسول: 15 سنة حبس وغرامة تفوق العشر مليارات ليرة
تعتبر أفعال عصابات التسول من جرائم الاتجار بالأشخاص، فهو فعل وفق أحكام قانون العقوبات 586 المعدلة بالقانون 164/2011 تتوفر فيه حالة:
أ - اجتذاب شخص أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو إيجاد مأوى له.
ب - بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو الاختطاف أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا، أو استعمال هذه الوسائل على من له سلطة على شخص آخر.
ج - بهدف استغلاله أو تسهيل استغلاله من الغير.
ولا يُعتدّ بموافقة المجني عليه في حال استعمال أي من الوسائل المبينة في هذه المادة.
«ويعتبر ضحية الاتجار»: أي شخص طبيعي ممن كان موضوع اتجار بالأشخاص أو ممن تعتبر السلطات المختصة على نحو معقول بأنه ضحية اتجار بالأشخاص، بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الجرم قد عُرِفت هويته أو قُبِضَ عليه أو حُوكم أو أُدين. أما التسول فقد تم ذكره عبر تسميته بالاسم كإحدى صور الاستغلال من عصابات الاتجار بالبشر.
ويعتبر استغلالا وفقا لأحكام هذه المادة إرغام شخص على الاشتراك في أيّ من الأفعال التالية:
أ) أفعال يعاقب عليها القانون.
ب) الدعارة، أو استغلال دعارة الغير.
ج) الاستغلال الجنسي.
د) التسوّل.
مما يعني أن التسول تم ذكره عبر تسميته بالاسم كإحدى صور الاستغلال من عصابات الاتجار بالبشر. ويعاقب على الجريمة المنصوص عليها في المادة 586 (1)، وفقا لما يلي:
1 - بالاعتقال لمدة خمس سنوات، وبالغرامة من مئة ضعف الى مئتي ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور في حال تمّت هذه الأفعال لقاء منح مبالغ مالية أو أية منافع أخرى أو الوعد بمنحها أو تلقيها.
2 - بالاعتقال لمدة سبع سنوات، وبالغرامة من مئة وخمسين ضعفا الى ثلاثمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور في حال تمّت هذه الأفعال باستعمال الخداع أو العنف أو أعمال الشدة أو التهديد أو صرف النفوذ على المجني عليه أو أحد أفراد عائلته.
كما يعاقب بالاعتقال لمدة خمس عشرة سنة، وبالغرامة من ثلاثمائة ضعف إلى ستمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور إذا ارتُكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 586 (1):
1 - بفعل جماعة، من شخصين أو اكثر، ترتكب أفعالا جرمية سواء في لبنان أو في أكثر من دولة.
2 - إذا تناولت الجريمة أكثر من مجني عليه.
وهو ما ينطبق على العصابات.
عالج قانون العقوبات مسألة امتهان التسول بالاحتيال حيث نصّ على انه عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين


ولتشجيع الضحايا على كشف الجرائم فإن القانون يعفي من العقوبات كل من بادر الى إبلاغ السلطة الادارية أو القضائية عن الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل، وزوّدها بمعلومات أتاحت إما كشف الجريمة قبل وقوعها وإما القبض على مرتكبيها أو شركاء أو متدخلين فيها أو محرّضين عليها إذا لم يكن الشخص الذي يقوم بالتبليغ مسؤولا بصفته مرتكب الجريمة المبينة في المادة 586 (1).

عقاب المتشرد
إلا أن التشرد نص عليه قانون العقوبات في المادة 614، حيث يعد متشرداً ويعاقب على ذلك بالحبس مع التشغيل من شهر إلى ستة أشهر كل صحيح لا مسكن له ولا وسيلة للعيش ولا يمارس عملاً من شهر على الأقل ولم يثبت أنه سعى السعي الكافي للحصول على شغل، ويمكن كذلك وضع المتشردين في دار للتشغيل ويوضعون فيها وجوباً عند التكرار.
وحيث تنص المادة 615 منه على أنه يقضى بالعقوبات والتدابير الاحترازية المنصوص عليها في المادة 613 على كل متشرد يحمل سلاحاً أو أدوات خاصة باقتراف الجنايات أو الجنح، أو يقومون أو يهددون بالقيام بأي عمل من أعمال العنف على الأشخاص أو يتنكرون على أي شكل من الأشكال أو يتشردون مجتمعين، شخصين فأكثر.

حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرّضين للخطر
غالبية الأطفال المتسولين يتم نقلهم بواسطة مشغليهم أو أقاربهم ما يقضي بمعاقبة مشغليهم اما بسبب تقاعسهم عن تقديم الرعاية اللازمة لأبنائهم و بمعاقبة المشغلين بتهمة الاتجار بالبشر .
الحدث الذي يطبق عليه قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون او المعرضين للخطر اي القانون رقم 422 تاريخ: 06/06/2002 هو الشخص الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره إذا إرتكب جرماً معاقباً عليه في القانون او كان معرضاً للخطر في الأحوال المحددة في القانون. ويعتبر الحدث مهددا بموجب المادة 25 من هذا القانون إذا وجد متسولا او مشردا. ويعتبر الحدث متسولا في اطار هذا القانون اذا امتهن استجداء الاحسان باي وسيلة كانت. ويعتبر متشردا اذا ترك مسكنه ليعيش في الشوارع والمحلات العامة او لم يكن له مسكن ووجد في الحالة الموصوفة آنفا.
وبالتالي فإن حماية الأحداث من التشرد والتسول منصوص عنها في قانون العقوبات في المواد 617 وما يليها، وهي المعدلة وفقا للقانون 239 تاريخ 27/5/1993 وكان يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة من عشرين ألف ليرة إلى مئة ألف ليرة أبو القاصر الذي لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو أهله المكلفون إعالته وتربيته إذا تركوه متشردا رغم اقتدارهم.
أما من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره الى التسول عوقب بالحبس من ستة أشهر الى سنتين وبغرامة تتراوح بين الحد الأدنى للأجور وثلاثة أضعافه وفق احكام المادة 618 من قانون العقوبات المعدلة وفقا للقانون 239 تاريخ 27/5/1993 ، ووفقا للقانون الرامي الى تعديل القانون رقم 293/2014 (حماية النساء وسائر افراد الاسرة من العنف الاسري) قانون رقم 204 تاريخ: 30/12/2020 الذي عدل المادة 618 من قانون العقوبات لتصبح كالتالي:
من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره الى التسول عوقب بالحبس من ستة أشهر الى سنتين، وبغرامة تتراوح بين الحد الأدنى للأجور وثلاثة أضعافه. مع العلم أنه إذا كان أحد أصول المجني عليه، شرعيا كان أو غير شرعي، أو أحد أفراد عائلته أو اي شخص يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية مباشرة أو غير مباشرة، هو فاعل الجريمة أي منظم التسول ويدفعه لذلك فإنه يعاقب بالاعتقال لمدة عشر سنوات، وبالغرامة من مئتي ضعف إلى أربعمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور بموجب المادة 586 – (3) من قانون العقوبات التي أضيفت بموجب القانون 164/2011.

كيف يمكن للقضاء حماية الأحداث؟
المادة الثانية من القانون 422/2002 قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر وضعت بعض المبادئ الأساسية التي يجب مراعاتها في تطبيق أحكامه، وأهمها أن الحدث بحاجة الى مساعدة خاصة تؤهله ليضطلع بدوره في المجتمع. وفي كل الأحوال يجب مراعاة صالح الحدث لحمايته من الانحراف، وأن الحدث الذي يخالف القانون يجب ان يستفيد من معاملة منصفة وإنسانية. كما ان المادة 25 من قانون حماية الأحداث الرقم 422/2002 حددت الحالات التي يعتبر فيها الحدث مهدَّداً بخطر الانحراف، وهي الحالات الآتية:
• إذا وُجِد في بيئة تعرِّضه للاستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته.
• إذا تعرَّض لاعتداء جنسي أو عنف جسدي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب غير المؤذي.
• إذا وُجِد متسولاً أو مشرَّداً. ويعتبر الحدث متسولاً إذا اعتاد استجداء الإحسان بأي وسيلة كانت. ويعتبر متشرداً إذا ترك مسكنه ليعيش في الشوارع والمحلات العامة أو لم يكن له مسكن.
ومنعاً لمخالفة الحدث القانون، نتيجة الأحوال المذكورة أعلاه، أعطت المادة 26 من القانون المذكور للقاضي أن يتخذ لصالح الحدث تدابير الحماية والحرية المراقبة أو الإصلاح عند الاقتضاء.

كيف يتدخل القاضي؟
يتدخل القاضي بناءً على شكوى الحدث أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الاجتماعي أو النيابة العامة أو بناءً على إخبار، وله التدخل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة. وعلى النيابة العامة أو قاضي الأحداث أن يأمر بإجراء تحقيق اجتماعي وأن يستمع الى الحدث ووالديه أو أحدهما أو الوصي الشرعي أو الأشخاص المسؤولين عنه، وذلك قبل اتخاذ أي تدبير بحقه.

ما هو دور البلديات؟
ان المادة 74 من المرسوم اشتراعي رقم 118 الصادر في 30 حزيران سنة 1977 (قانون البلديات) تنص على وجوب اتخاذ رؤساء البلديات لكافة التدابير المتعلقة بقمع التسول، أي أنه يتوجب على البلديات منع التسول وإبلاغ القضاء للتدخل لا سيما في حال كان المتسول حدثا.

ما هو دور الوزارة؟
يمكن لوزارة الداخلية الى التعميم على قطعاتها الأمنية وعلى البلديات المختصة لتنفيذ القوانين المذكورة أعلاه، بدءا من قانون البلديات، وصولا الى تنفيذ المهام الأمنية بحق عصابات المتسولين ومراقبة هذه العصابات لسوقها أمام القضاء المختص سيما أنها تستغل الأطفال والأحداث وتجعل منهم مورد رزق غير مشروع، وضرورة اتخاذ عقوبات زجرية بحق المخالفين لأحكام القوانين المرعية الإجراء بشكل لا يحتمل التأويل وبما يتناسب مع التفعيل المجدي لهذه النصوص.