بيار أبي صعبكالعادة تأتي على رؤوس أصابعها. في زاوية من الغرفة المعتمة تضع طرداً غامضاً، ملفوفاً بورق الـ«هدايا». تلقي نظرة على المكان، ثم تنظر «خلف النافذة» لتتأكّد من أن العالم ما زال على حاله في الخارج. كانت تعرف المشهد سلفاً: «كم من العتمة/ والألم العميق/ نحتاجُ/ لنرى ما فعلناه/ كأعداء/ بأنفسنا». على المشجب الذي لم نجد حتّى الآن وقتاً لشرائه، تنسى «قبّعة ساحر». تترك ظلالاً صديقة، من غير قصد ربّما، على المكتب والكنبة المجاورة، وفي الدهليز السريّ الذي يفضي إلى هنا. ترى أين كنّا حين لم تقرع الجرس؟ ولماذا خرجت قبل أن نعود؟ ولمن تلك الدموع التي تغبّش نظرنا حين نصل إلى آخر القصيدة: «كلّ هذه الحقائب،/ والرحلة بالكاد/ تتسع لراكب»...
في ديوانها الجديد «ما يفوق الوصف» (طبعة خاصة، صيف ٢٠١٠)، تبدو سوزان عليوان نفسها، بقاموسها وحزنها وشفافيّة ديكوراتها، وعلاقتها بالحياة والأشياء العابرة، وهمسها الحميم الذي يوحي أنه البوح... لكنّها ليست كذلك تماماً. لقد تصفّى الحزن هنا، وازدادت حدّة المرارة، وتعالت نبرة الرثاء. طفح الشعر بآلام الحبّ وآماله الخائبة: «نحن اللذان/ لا تجمعنا صورة/ ولا طريق». لقد ازدادت بنية القصيدة تماسكاً وديناميّة. ذهبت إلى قدر أكبر من الكثافة والتقشّف، ربّما لأنّها أدركت «ما في الكلام من عجز عن الكلام». هناك وعي حاد بالعالم المجروح من حولنا. هناك مرايا وحقائب وقصائد أشبه بـ«فلّين زجاجات فارغة»، هناك الخوف والعزلة والتذكّر والنسيان. والموت: «ليس الطريق ما يخيفني./ فقط أن يأتي صباح/ بلا صوتك». هناك شاعرة قبضت على سرّ القصيدة. «كأنني آخرُ/ يراني ويروي،/ خيالٌ/ أو نافذة/ أو شاهدة قبر».