في عهد العثمانيين، كان عدد من أهالي كسروان يقطنون في وادي الصليب على ضفاف النهر، الذي يمتد من منطقة كفرذبيان إلى منطقة القليعات، في أراض تابعة للبطريركية في منطقة الروميّة. وكانت المنازل في «القليعات القديمة»، كما يسمّيها سكان المنطقة، بعيدة عن الطريق الرئيسية ولديها مسالكها الخاصة بين الجبال. ومع مرور الوقت، غادر الأهالي ضيعتهم الآمنة ونزحوا صعوداً نحو منطقة القليعات ومنطقة كفرذبيان. «آخر عيلة غادرت الوادي كانت من بيت القاعي» يروي ملحم أبي راشد، أحد أهالي القليعات، مؤكداً أنه لم يبق أحد من الذين يتذكرون طبيعة الحياة بجانب النهر.
اليوم، تعيد كسروان إحياء تاريخها، من خلال تحويل القرية القديمة إلى مشروع سياحي بيئي، تحت عنوان «العودة إلى الجذور». ولدت الفكرة قبل ثمانية أعوام، «لم يكن لدينا تمويل للمشروع، إلى أن طرحناه على الاتحاد الأوروبي منذ أربعة أعوام» يقول رئيس بلدية ريفون السابق، جورج صفير، متحدّثاً باسم جمعية «إنماء، إرث وثقافة» التي أسسها تجمّع بلديات كسروان لعرض المشروع على الاتحاد الأوروبي ولمتابعته وتطبيقه. ويقول إن اللجنة بدأت عملها منذ عامين، وتصرفت بالمبلغ الذي حصلت عليه من الاتحاد الأوروبي، وتصل قيمته إلى 624 ألف يورو. يركز المشروع على ترميم المنازل القديمة (جرى ترميم ثلاثة منها بالكامل من أصل 40)، وترميم كنيسة و4 طواحين مائية، وتأهيل الدروب الراجلة التي تعود إلى حقبة الرومان في وادي الصليب وفي منطقة درعون. كما تسعى إلى ترميم جسرين يعودان إلى الحقبة العثمانية. وأهّلت بيتاً تراثياً في منطقة ريفون ليكون مركزاً للتنمية السياحية والثقافية يفترض أن يهتمّ بالحركة السياحية، بالإضافة إلى تنظيم واقتراح مشاريع إنمائية أخرى، وسيتمّ افتتاح مكتب آخر إرشادي في منطقة الزوق.
يفتتح المشروع في السادس من الجاري، رغم عدم إكمال عملية الترميم، بسبب «الحاجة إلى تمويل جديد، نحاول الحصول عليه من خلال التعاون مع منظمة YVELINES الفرنسية ومن اتحاد بلديات كسروان».
ويتميّز المشروع بتنشيط السياحة البيئية، بحيث يكون في استطاعة السائح استئجار مساحة في أحد المنازل في الوادي، والمشاركة بالزراعة والاهتمام ببعض المواشي. كما أن هناك أماكن مخصصة للمشاة وأخرى لمن يرغب في التخييم أو التنزّه. وقد يكون أحد أهم عناصر المنطقة عدم وجود أي مصنع أو مبنى من الباطون، فلدى المنطقة طابع أثري لا يظهر فقط على منازلها القديمة، بل على محيطها الأخضر. وتسعى بلديات كسروان إلى الحفاظ على هذه الميزة من خلال منع البناء من السيطرة على المنطقة وتخريبها. «هذا تاريخنا بالنهاية، لا يجوز أن نسمح بتدميره» يقول صفير.