إثر تراجع زراعة القنب الهندي بسبب التضييق الأمني على طرق التصريف وانهيار سعر «هقّة» الحشيشة إلى أدنى مستوياتها في المواسم الثلاثة الماضية، وانكفاء غالبية المزارعين عن الزراعات التقليدية كالبطاطا والقمح والبصل والثوم لارتفاع أكلاف زراعتها، لجأ المزارعون في قرى غرب بعلبك إلى زراعات أقل كلفة، كالعدس والحمص... والكمّون الذي شهد رواجاً سريعاً، وانتشرت زراعته كالعدوى في سهول البلدات الممتدّة من الكنيسة ودير الأحمر وإيعات والحفير شمالاً إلى السعيدة وكفردان وحدث بعلبك وطاريا، وزادت مساحة الأراضي المزروعة بالكمّون من 5 آلاف دونم الموسم الماضي إلى نحو 30 ألفاً هذا الموسم.ويشجّع على هذه الزراعة كلفتها المتدنية، إذ لا تحتاج إلى مازوت للري أو إلى كميات كبيرة من الأسمدة والمبيدات، وتعتمد على مياه أمطار فصلَي الشتاء والربيع، ولا تتأثر بالثلوج وتدنّي درجات الحرارة. ويلفت حسين زعيتر الذي زرع ما يزيد على 250 دونماً كمّوناً هذا الموسم إلى أن زراعة الكمون «عُرِضت على المزارعين أيام الزراعات البديلة بسبب مناسبتها للتربة، وشهدت نجاحاً، لكن لم تتوفر له أسواق للتصريف وفسد في المستودعات بسبب منافسة الكمون السوري والتركي والإيراني». وأعاد بعض ضامني الأراضي السوريين هذه الزراعة إلى البقاع، خصوصاً في الموسم الماضي الذي سجّل طلباً من تجار سوريين وصل إلى أكثر من 100 طن، وبلغ فيه سعر كيلو الكمّون 10 دولارات، ما جعل مزارعين كثراً يفتشون عن زراعة مربحة ومتدنية الكلفة يقبلون على زراعته.
وتتطلب زراعة الدونم الواحد 4 كيلوغرامات من الكمون ليعطي إنتاجاً يصل إلى 120 كيلوغراماً وفق المزارع حسين حيدر، مشيراً إلى أن إنتاج الدونم هذا الموسم قد لا يتعدّى المئة كيلو بسبب موجة صقيع ضربت البقاع في غير موعدها في شهر أيار، فيما يراوح سعر كيلو الكمّون هذا الموسم بين 3.5 و 4.5 دولارات ويصل إلى 7 دولارات بحسب الجودة.
زادت المساحات المزروعة بالكمون من 5 آلاف دونم الموسم الماضي إلى نحو 30 ألفاً


يقول المزارع السوري حماد الحمد الذي كان يشرف على عمل فتيات وفتية سوريين في حصاد الكمون وجمعه أكواماً لمدة 15 يوماً قبل فرطه على «درّاسة» لفصل الحبّ عن القشر، إنه زرع هذا الموسم ما يزيد على 150 دونماً كمّوناً، ويؤكد أن بعض المزارعين السوريين ضمنوا ما بين 400 و 700 دونم فيما يتشارك آخرون مع أصحاب الأراضي في الزراعة، لأن «اللبنانيين لا يملكون خبرة كافية في زراعة الكمون». لكنه يلفت إلى أن الانتشار الكبير لهذه الزراعة قد يؤدي إلى انخفاض السعر في ظل طلب لا يمكن التنبّؤ به. فـ«التجار السوريون رفعوا الطلب الموسم الماضي لعدم توفر إنتاج وفير في سهول سوريا، وقد لا يكون الأمر كذلك هذا العام، فيما لا يمكن الاعتماد على السوق اللبنانية وحدها لتصريف الإنتاج»، وهو يجعل مزارعين كثراً يحجمون حتى الآن عن هذه الزراعة. عباس زعيتر واحد ممن لم يقدموا على هذه «المغامرة» قبل أن تتضح صورة هذه الزراعة ومدى توفر سوق لتصريفها. «صحيح أنها تناسب المزارعين والتربة والمناخ، لكنّ الخوف يبقى من عدم التصريف في ظل منافسة كبيرة من السوريين الخبراء في هذه الزراعة، فيما وعود المسؤولين بالحماية والتصريف تبقى عالوعد يا كمّون».

أين اليد العاملة السورية؟
يشكو معظم مزارعي البقاع من فقدان اليد العاملة السورية، ما ينعكس سلباً على أنواع عدة من المزروعات. ويعزو المزارع حسين حيدر ذلك إلى «إقدام السوريين على ضمان أراض زراعية بمئات الدونمات وزراعتها كموناً أو غيره، وبعضهم يرفض العمل بأجرة مالية لدى أصحاب الأراضي ويعرض الدخول معهم شريكاً مضارباً». ويشير المزارع علي حمية إلى أنه «باستثناء بعض العائلات السورية التي تعمل منذ سنوات طويلة في لبنان، الكثير باتوا يعملون لحسابهم أو بالشراكة مع أصحاب الأراضي، فيما أصيب آخرون بعدوى اللبنانيين فتوجّهوا إلى الأعمال التجارية».