لطالما ميّزت حواجز توقيف الدراجات النارية، سواء تلك التابعة للقوى الأمنية أو لعناصر شرطة البلديات، عنصرياً بين المخالف اللبناني والمخالف السوري الذي غالباً ما يواجه إساءات لفظية. غير أن ما جرى أمس في منطقة الأونيسكو تعدّى الإساءة إلى «الشروع بالقتل»، وأدى فعلياً إلى مقتل شابين سوريين شاء حظهما العاثر أن يمرّا بـ«كمين محكم» نصبه «أبطال» فوج حرس بيروت.فقد أظهر شريط لإحدى كاميرات المراقبة عند مدخل مخيم مار الياس المجاور، أحد عناصر «الكمين» وهو يركل دراجة كانت تحاول تجاوز الحاجز، ما أدى إلى انقلابها ومقتل سائقها ومرافقه.
وقبل أي تحقيق في ملابسات الحادث، ورغم أن شريط الفيديو يظهر توثب أحد عناصر الحاجز وتوجهه في اتجاه الدراجة من أجل «الظفر» بها، سارع رئيس بلدية بيروت عبد الله درويش إلى ترويج رواية أن دراجتين كانتا تسيران عكس السير عندما اصطدمت إحداهما بالأخرى، فيما ذهب محافظ بيروت مروان عبود إلى تحليل آخر مفاده أن «سرعة الدراجة النارية لا يمكن أن تسمح بركلها من دون أن يتأذى الشرطي أو يقع أرضاً على الأقل»، مرجحاً أن يكون الأخير قد «هبّ لمساعدة راكب الدراجة التي انزلقت نتيجة حادث اصطدام». غير أن شهود عيان يؤكدون أن عناصر من حرس بيروت نصبوا الحاجز عند مستديرة الأونيسكو، قبل أن «يتموضع» أحد العناصر بين السيارات عند مدخل المخيم. وقال هؤلاء إن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي حصل على مشاهد للحادث من زاوية أخرى تؤكد أنّ عنصر الحرس ركل الدراجة النارية التي كان على متنها شابان، ما أدى إلى انقلابها». وأفيد ليلاً بأن مديرية المخابرات في الجيش أوقفت عناصر الحاجز واقتادتهم إلى وزارة الدفاع.
وتحصر المادة الثالثة من نظام فوج حرس بلدية بيروت مهمة الفوج المرتبطة مباشرة بالمحافظ، بحماية المؤسسات والممتلكات العامة ومنع السرقة، وإفادة قوى الأمن الداخلي عن كل جناية أو جنحة تردهم، ولا يقع نصب الحواجز وملاحقة المخالفين ضمن صلاحية الفوج.
غير أن عبود يشير إلى أن «بلدية بيروت كغيرها من البلديات، ورثت هذه المهمة بتكليف من وزارة الداخلية للحدّ من ظاهرة الدراجات النارية المخالفة وتنقّلها ليلاً، من دون استعداد، بعدما انهارت مؤسسات الدولة واضطرارنا إلى سد الفراغ في الأجهزة الأمنية». ولكن، لماذا لا يُصار إلى تدريب عناصر الفوج على التعامل مع الحواجز؟ يجيب عبود: «وقّعنا اتفاقاً مع الجيش بهذا الخصوص، لكن مدة التدريب التي تستغرق شهرين تحول دون تنفيذه لأن العناصر يعملون في أشغال ثانية بسبب الضائقة المالية».
بعيداً عن التبريرات الرسمية، المؤكد أن الحادثة ليست الأولى من نوعها التي تنجم عن نصب الحواجز «العشوائية» لتوقيف الدراجات النارية، لكنها لا تنتشر إعلامياً ما لم توقع ضحايا. وأوضح مصدر في بلدية بيروت لـ«الأخبار» أنّ «هذه الحوادث كثيرة وطبيعية ما دام الشرطي في حرس بيروت غير مؤهل للتعامل مع هذه الحواجز كونها مسؤولية عناصر قوى الأمن الداخلي، فلا يلتفت مثلاً إلى ضرورة تفتيش الموقوف أو تكبيله بالأصفاد»، مضيفاً أن «ركل الدراجة النارية ليس أداءً فردياً، وإنما هو نهج يعتمده العناصر في الفوج».
غير أن المصدر لفت إلى ما هو أسوأ من عدم جهوزية حرس بيروت لهذه المهمة، مشيراً إلى وجود «مافيا تتقاضى بين 80 دولاراً و100 دولار لتحرير كلّ دراجة نارية بعد توقيفها. ويوضح أن الشاحنات التي تجمع عشرات الدراجات المخالفة، «غالباً ما تصل إلى بورة الكسر تحمل دراجة أو اثنتين». وما يصل إلى البورة «يجري تحريره مقابل محضر ضبط جرى ابتداعه بقيمة 5 ملايين ليرة، تضاف إليه 20 دولاراً رسم نقل الدراجة إلى البورة و20 دولاراً أخرى رسم وقوف في البورة يتقاضاها ضابط الحرس، كما يعرّف عن نفسه، ويتقاسمها مع المسؤولين عن البورة».
هذه الممارسات دفعت المجلس البلدي في بيروت، بأكثرية أعضائه، إلى الطلب من محافظ بيروت، الأربعاء الماضي، منع عناصر الفوج من إقامة حواجز لمصادرة الدراجات النارية «إلى حين إعادة تنظيم المهمة، لجهة تدريب العناصر وتزويدهم بالمعدات والأجهزة لحمايتهم، وخصوصاً بعد حوادث أدّت إلى سقوط جرحى وشهداء من الفوج نفسه، وتنظيم آلية حجز الدراجات النارية ووضع محاضر ضبط وفق القوانين المرعية الإجراء». ويلفت المصدر إلى انه «سرعان ما فتح باب جهنم على أعضاء البلدية لقطعهم أرزاق المنتفعين، فانهالت الاتصالات على رئيس البلدية والشكاوى لدى المحافظ، وعبّر عناصر الفوج عن سخطهم على القرار على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي».
يؤكد المحافظ أن قرار البلدية لم يصله، لكنه يؤكد رفضه لأنه «لا يمكن تصحيح شائبة في مرفق عام بإيقاف المرفق، بل بتذليل الشائبة»، من دون أن ينفي وجود مخالفات «نعمل على ضبطها». وعن محاضر الضبط، أشار إلى أنها «بمثابة أوامر تحصيل تعود للبلديات لقاء القيام بمهمتها، أما رسوم النقل ووقف الدراجة في البورة فلا تخصّ البلدية وإنما تسعّرها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وتحصل عليها البورة نفسها، علماً أنني أشرت إلى أنها تكاليف مضخمة».
يبقى ضبط المخالفات خطوة إيجابية لإحلال النظام، ولكن من دون مزاريب فساد، وبتطبيقه على الجميع، من دون «التساهل مع اللبنانيين بسبب الضائقة المالية التي يمرون بها، والتي لا يشعر بها اللاجئ السوري الذي يحصل على مساعدات من الأمم المتحدة»، كما يبرر عبود تركيز الحواجز على السوريين!