بدأت أزمة المياه في الضنّية باكراً هذه السّنة، وقبل موعدها المعتاد في النصف الثاني من شهر آب من كلّ عام. فمنذ أواخر شهر حزيران الماضي، برزت الأزمة بشكل جزئي، قبل أن تستفحل في الأيّام الأخيرة وتنذر بمضاعفات واسعة.
قبل نحو شهر تقريباً، باشرت مصلحة مياه الضنّية تطبيق برنامج تقنين لمياه الشّرب في البلدات والقرى الواقعة ضمن نطاقها الإداري بمعدّل ساعتين إلى 4 ساعات يومياً مداورة، قبل مضاعفتها في الآونة الأخيرة، وهو تقنين مرشّح للارتفاع بسبب انخفاض منسوب مياه الشرب في الينابيع التي تغذّيها.

الأزمة في البلدات والقرى التي لا تخضع لصلاحية مصلحة المياه، وتتبع للجان محلية، لا تقلّ حدّة. إذ بدأت بلدات وقرى عدّة تشكو منذ أيّام من نقص فادح في مياه الشّرب لأسباب عدّة. فإضافة إلى شحّ مياه الينابيع، تعاني شبكات مياه الشّرب في هذه المناطق من تهرّء بسبب قِدمها، وباتت تحتاج إلى أعمال صيانة لا تستطيع اللجان المحلية تنفيذها نتيجة ارتفاع تكاليفها، فضلاً عن تعمّد بعض المواطنين استخدام مياه الشّرب في ريّ أراضيهم الزّراعية، ما فاقم الأزمة.

في المقابل، فإنّ أزمة مياه الريّ لا تقلّ حدّة. إذ بدأت بلدات وقرى عديدة في جرد ووسط وساحل الضنّية تشكو من قلة مياه الري في القنوات الرئيسية، ومن اليباس الذي بدأ يضرب أراضي زراعية واسعة، فيما أكثر من نصف سكّانها يعتاشون على القطاع الزراعي، ما ينذر بتخلّي البعض منهم عنها في السنوات المقبلة نتيجة عدم توافر مياه الري، في منطقة تُعتبر من أغنى مناطق البلاد بالمياه، إذ يناهز عدد الينابيع فيها 350 نبعاً، وتقع فوق واحد من أكبر خزّانات المياه الجوفية في لبنان، وتمتاز بهطولات مطرية مرتفعة وتساقط جيد للثلوج، لكنّ هذه المميزات لا يتمّ الاستفادة منها بالشّكل المطلوب، لأنّ أغلب هذه المياه تذهب هدراً إلى الأودية، ومنها نحو البحر.

هذه الأزمة كان يمكن أن لا تكون موجودة أصلاً لو أنّ سدّ بريصا الذي أنشىء في جرود المنطقة بإشراف مباشر من مجلس الإنماء والإعمار أُنجز بشكل صحيح. إذ بعد سنوات من تشييده بسعة تقارب مليوني متر مكعب من المياه، وبتكلفة مالية تجاوزت 22 مليون دولار، تبيّن أنّ أرضه الترابية غير صالحة لتخزين المياه، ما أجهض حلماً كان بإمكانه، لو تحقق، أن ينهي أزمة المياه في الضنّية ويروي الأراضي الزّراعية فيها.

وكشفت مصادر في مصلحة المياه لـ«الأخبار» أنّ «الكمية القليلة المتبقية من المياه في سد بريصا استُنفدت في مجال الريّ لمدّة أسبوع فقط، بعدما كنّا قد استفدنا منها العام الماضي لمدة 22 يوماً»، ما دفعها إلى إبداء خشيتها من «وقوع أزمة واسعة وإشكالات بين المواطنين»، معتبرة أنّ «تدخّل الجيش اللبناني وإشرافه على توزيع المياه بشكل عادل، ضمن الإمكانات المتوافرة وخلال الأيّام المتبقية من فصل الصيف هذا العام، وحده الكفيل باحتواء الأزمة قبل ظهورها وتفاعلها».