من المقدمة:نحن «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية»، نقدم على نقل تجربتنا كاملةً بكل ما فيها من إخفاقاتٍ وإنجازات في الصراع مع العدو الصهيوني والإمبرياليّة الأميركية وأعوانهما «في كل مكان».
لقد قررنا نحن مخططي ومنفذي وراصدي العمليات التي تبنّيناها باسمنا في وقتها مباشرة - وحتى تلك التي فشلت/ أو أُفشِلَت - قررنا سرد كل الوقائع كما حصلت.
اليوم بعد أكثر من ثلاثين سنة على المقارعة المستمرة بيننا وبين الأعداء. نخوض غمار السرد التأريخي هذا، علّه يكون بادرة لاستخلاص العِبر. وحمايةً لأي فعل مقاومٍ، كما حِفظاً له من التزوير. كي يبقى التاريخ المقاوم شوكة دائمة في عين العدو. آملين أن يكون كشف اللثام نقطة جديدة في التحدي، ومحفّزاً للجيل الناشئ للاستمرار ولانطلاقة نهج جديد في العمل المقاوم استناداً إلى التجارب، ولاستكمال درب التحرير.
بعد أكثر من ثلاثين عاماً، أصبح لزاماً علينا إظهار كل الحقائق للعلن - بشكل خاص - بعد الكم الهائل من المغالطات المتداولة في ما يخص طبيعة عملنا، وهويتنا، وعملياتنا، وانتمائنا، وترويج الإعلام غافلاً لما لا يشبهنا (وهو طبيعي في ظل بروباغاندا التشويه، واعتمادنا في المقابل حينها سياسة الصمت وعدم الرد على الإشاعات، لعدة اعتباراتٍ ليس آخرها الأمنيّ). لعل الصورة اليوم تتضح وتكتمل في الأذهان.
إننا نكتب اليوم وفاءً وواجباً، بعد أن زرع العدو على مر العقود في أذهان الأجيال الجديدة مبدأ «السِّلميَّة»، مُعلنين أن الأيام لم تدجِّننا. ونُهدي هذه الكلمات لمن سبقونا في العمل المقاوم وللرفاق من الفدائيين كما للاحقين ممن سيكملون طريق التحرير. كي يبقى الكفاح المسلّح بكافة أشكاله هو النهج البديهي الراسخ في الصراع مع العدو الصهيوني ومنظومته ومشروعه وأعوانه. ومع الإمبريالية الأميركيّة وأذنابها من الرجعيات العربيّة.
نؤرِّخ عملنا، مدركين التبعات الصعبة التي ستلحقنا، وقد اعتدنا عليها في طبيعة صراعنا مع الأعداء. وها نحن مصمّمون على المضِيّ قُدُماً حتى الرَّمق الأخير... هو النصر أو النصر.
(2016)

من النص:
«في مطلع الثمانينيات. حين كان العدو الصهيوني يمعن تنكيلاً بالشعب الفلسطيني واغتصاباً ونهباً في الماء والهواء والأرض الفلسطينية، كانت ترتسم أعوام الصدام اللبناني المحتدم مع العدو الصهيوني نفسه.
هنا كل الظروف كانت مهيئة للمقاومة والغوص في أي شكل من أشكال الكفاح المسلح ضد العدو. فهو يدمر، يقصف، يقتل، يرتكب المجازر، ينكّل... منذ ما قبل عام 1948. والواجب كان يستدعي من كل شاب وفتاة عربية التصرف لمجابهة العدوان في وجهَيه المباشر وعملاء الداخل.
وما عزَّز الروح الثورية لدى الرفاق والرفيقات في لبنان هو أيضاً اتساع الشرخ الأفقي بين الطبقات الاجتماعية، لصالح قيام شرخ عَموديٍّ طائفيّ يصب لمصلحة الصهاينة، وتأجيج الحرب الأهلية منتصف السبعينيات.
لم تكن تحركات الأحزاب اللبنانية اليسارية بشكل عام في وجه الاحتلال الصهيوني لأرضنا راديكالية بما يكفي بنظرنا، بسبب إلهائها في الصراع الداخلي الأهلي بشكل أساسي. لذا كان اتجاهنا عدم الغرق في وحل الحرب الأهلية، رغم توفُّر كامل الظروف لتنفيذ عمليات نوعية ضد العملاء على الأرض اللبنانية.
كنا نعرف عدوّنا جيداً ولم يغشّنا أي قناع، لذا اخترنا الذهاب نحو المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني ورموز الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى مكان نحن من يحدده، بعد أن كان العدو هو من يحدد المكان. وإلى زمان نحن نختاره بعد أن كان هو من يختار زمان قصفنا واغتصاب أرضنا وتدمير منشآتنا وقتل أطفالنا ونسائنا وخيرة رجالنا. ونهب ثرواتنا.
لم يتعدَّ عددُنا حينها عدد أصابع اليد الواحدة. اتفقنا على الهدف الأسمى: التصدي والمواجهة، فدائيون، وراء العدو في كل مكان. ونمت المجموعة.
كنا جميعاً آتين من خلفيات يسارية بطبيعة الحال، فاليمين اللبناني المتمثِّل بالكتائب والقوات (في بداية تشكيلها)، كما الأحرار وحرّاس الأرز والرابطة المارونية والعميل الصهيوني سعد حداد وغيرهم، كانوا بمثابة أذرُع لرأس الأخطبوط الصهيوني في لبنان. فيما خيار الأحزاب اليسارية لم يكن جذرياً إلى الحد الذي نريده. إذ كانت بغالبيتها مرهونة لسلاح أبو عمار وقراراته، فإن هادن هادنت، وإن سلّم سلّمت. فكان تقاربنا الرِّفاقيّ انطلاقاً من هذه الجذرية التي تصبغ قناعتنا في مواجهة الاحتلال الصهيوني حتى اليوم.
في حين كانت ترزح الجماهير العربية تحت عبء اتفاقية مصر مع الكيان الصهيوني في كامب دايفيد 1978 بمساعدة ملك المغرب الخائن وتمهيده للعملية (كغالبية ملوك العرب المرتهنين للصهاينة وأسيادهم الأميركان). بدأت أيضاً تتضح الصورة السلبية التي يقوم بها أبو عمّار منذ قبوله بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 عام 1967 وبالتالي ترسيخ ذهنية الهزيمة في النفوس وقطع الأمل من جدوى الكفاح المسلح للتصدي للاحتلال واغتصاب الأرض ونهبها والتنكيل بشعبها وتهجير من بقي حياً. في المقابل كان النموذج الجذري الأمثل الذي هزَّ الكيان الصهيوني ومرتزقته، هو العمل النوعي الخارجي الذي أسس له وديع حداد. رافضاً القبول بأي مساومة، مدهشاً كل مقاتل ملهباً قلوب المقاومين حماسة في السبعينيات. مُعَولِماً القضية الفلسطينية ومشكّلاً بالتالي صحوة نضالية في كل بقاع الأرض مقابل بث الروح الاستسلامية التي شرّعها أبو عمّار.
كما كان الشعار المؤثِّر «وراء العدو في كل مكان» الذي وسّع أفق التصدّي وأعطى خياراً مغايراً عن الخيارات المعتادة في المواجهة المفروضة على شعوبنا وأرضنا المحتلة. مذكّراً أن لا حوار ولا تفاوض ولا تنازل ولا لغة بيننا وبين العدو إلا لغة الحديد والنار.
تبدلت المعادلة وأصبح العدو حينها مربكاً بعدم قدرته على التصدي لتلك العمليات المسلحة غير الكلاسيكية في الميدان العسكري. كنا نرى الأثر، ونسعى أن نكون جزءاً من هذا النمط في التصدي للعدوان، باعتباره الأكثر جدوى من ناحيتين: أولها هز الضمير العالمي النائم عما تمارسه حكوماته من تآمر على الإنسانية. بإعطائها الغطاء السياسي الكامل للاحتلال الصهيوني وتدميرنا وقتلنا علناً على مرأى ومسمع من شعوب الكون، من دون أن يرف للأمم جمعاء جفن. وثانيها، هو ملاحقة الرؤوس العسكرية للعدو التي تعمل في الخارج لتشتري السلاح لقصفنا وتعقد صفقات موتنا العلني واغتصاب أرضنا. فكان المسرح الأوروبي بشكل خاص هو الحاضن لقادة ورؤوس وعقول العدو الصهيوني والأميركي وأعوانهما للتآمر على شعوبنا وسفك دمائنا. فكان الخيار واضحاً. ضرب الرأس لشلّ الجسد».