كثيرةٌ هي المطالب التي تفرض على مجلس النواب عقد أكثر من جلسة تشريعية لتلبيتها. ولعلّ النقمة الشعبية التي وصلت أصداؤها إلى داخل الهيئة العامة، نجحت في خلق ليونة نيابية، ودبلوماسية في تعاطي النواب مع مشاريع القوانين والاقتراحات الموجودة على جدول أعمالهم، فأنتجت عدداً منها، أهمها اقتراح القانون المتعلّق بمياومي مؤسسة كهرباء لبنان، مع العلم أن وزير الطاقة والمياه لم يكُن موجوداً، فاستدعى غيابه انتقاد الحاضرين.
أمس، عبّر النائب مروان حمادة عن حال مجلس النواب على نحو دقيق. وصف نفسه وزملاءه بأنهم «نواب صيانة مفاصل الدولة المتهالكة». أي إنهم لا يُقرون القوانين بطريقة تشريعية صحيحة، بل وفق ما تقتضيه الضرورة. الدليل على ذلك، عدم اطلاعهم على القوانين ولا موادها، الأمر الذي أدى إلى إعادة ستة مشاريع قوانين الى اللجان من جديد لدراستها. وحتّى يستطيع المرء أن يتحقّق من دقّة وصف حمادة، فهو ليس بحاجة إلى أكثر من مراقبة ممثلي الأمة خلال جلسات التشريع. أكبر الكتل الموجودة في البرلمان اللبناني، لا تضمّ في أحسن أحوالها أكثر من ثلاثة مشرعّين متمرسّين في كتابة النصوص القانونية ومناقشتها على نحو تقني. من السهل على متابعي الجلسات، حفظ وجوه نواب الأمة وأصواتهم، إذ إن المشرع من بينهم، نادراً ما يفوّت مشروع قانون دون التعليق عليه ومناقشته، كما يفعل النواب (على سبيل المثال لا الحصر) بطرس حرب، روبير غانم، نقولا فتوش، ابراهيم كنعان، محمد قباني، حسن فضل الله، علي فياض، سيمون أبي رميا، الان عون، أحمد فتفت، فؤاد السنيورة، عمار حوري، غسان مخيبر، عماد الحوت، علي عمار، زياد أسود، وسامي الجميل. في المقابل، هناك من لا يجرؤ على ضغط زر «الميكروفون» الخاص به، ولو مرة واحدة مهما بلغ عدد الجلسات، حتى تكاد تنسى أنه نائب منتخب، منهم (أيضاً على سبيل المثال) جيلبيرت زوين، ستريدا جعجع، فادي كرم، عبد اللطيف الزين، ادغار معلوف، كاظم الخير، بدر ونوس، نعمة طعمة، اسطفان الدويهي، فؤاد السعد طوني أبو خاطر، وسامر سعادة.
أمس، واصل مجلس النواب جلسته التشريعية. في اليوم الثاني، استكمل النواب مناقشة عدد من مشاريع القوانين، فأقروا المزيد منها، لكنهم لم ينجحوا في الوصول إلى تمرير نصف بنود جدول أعمال. في الأجواء الهادئة نفسها تابع أصحاب السعادة سير عملهم، بلا مشاحنات ولا كيديات تُذكر. افتتح رئيس المجلس نبيه برّي الجلسة الصباحية، بحضور نيابي وحكومي أقل من الجلسة السابقة. شُغل بري مراراً عن الجلسة، بعد طلب عدد من النواب محادثته جانباً. كان لافتاً، الجهد الذي قام به لضبط الجلسة، فاضطر إلى إسكات هذا وذاك، ممرراً الكثير من نهفاته، كما فعل حين طلب الوزير بطرس حرب خلال مناقشة اقتراح القانون الرامي الى تعديل في إجازة الأمومة، المساواة بين الرجل والمرأة، فرّد برّي عليه بالقول «بدكّ يانا نحنا الرجال نخلّف»! ولم يسلم الرئيس السنيورة من تعليقات برّي الساخرة، ففي أثناء مناقشة تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإجازة تقسيط الديون المتوجبة للصندوق، اقترح السنيورة «الإعفاء من الديون»، فأجابه برّي «ولله صاير كريم يا فؤاد»، كما أن عدم مراعاة البعض لأصول المجلس، استدعى من برّي إعطاء أكثر من ملاحظة، فطلب من وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال إحدى مداخلاته الوقوف لا الجلوس كما يفرض النظام.
بعد إرجاء بته في الجلسة الأولى، أقرّ المجلس القانون المعجل المكرر الرامي الى ملء المراكز الشاغرة في مؤسسة كهرباء لبنان عن طريق مباراة محصورة بالعمال غب الطلب، وجباة الإكراء من خلال دمج الاقتراح القديم مع الجديد وإجراء تعديلات على الاثنين معاً. سبق إقراره جدال طويل، تناول نقطتين، هما: عمر المتبارين، وطلب نواب «الكتائب» و«القوات» و«الوطني الحر» ضمّ مياومي مؤسسة كهرباء قاديشا الى ملاك مؤسسة كهرباء لبنان، فتدخّل الرئيس بري، قائلاً «نحن بصدد القيام بتسوية وطنية لا مسيحية أو شيعية». ورُفِض الطلب. ولأن الرئيس برّي تناول أكثر من مرة موضوع «غضب النساء علينا»، أنجز المجلس قانوناً يسمح بزيادة إجازة الأمومة رسمياً الى 10 أسابيع، بعدما كانت سبعة فقط. ومن بين المشاريع التي أخذت وقتاً طويلاً في النقاش، اقتراح تثبيت كتاب العدل، مما أدى إلى تأليف لجنة لمناقشته قبل إقراره. وأعاد المجلس البحث في مشروع إعفاء كل طائفة معترف بها في لبنان والاشخاص المعنويين التابعين لها من الضرائب والرسوم، فأحيل على لجنة الادارة والعدل لبتّه قبل انعقاد الجلسة العامة، التي دعا اليها الرئيس بري الأسبوع المقبل يومي الأربعاء والخميس القادمين.