مقالات مرتبطة
-
لا تخطيط في سوق العمل: ماذا ستصبح عندما تكبر؟ إعداد - ضحى شمس
التخصص ليس منتشراً في لبنان، وهو موجود في عدد محدود من الجامعات
محمود حيدر، وهو أحد المهندسين الجيوتقنيين اللبنانيين، تعرف إلى التخصص بالصدفة عندما اضطر إلى العمل في شركة جيوتقنية كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية كانت تحتاج إلى فني للعمل في مختبر للتربة. كيف؟ يروي كيف قصد، في سبعينيات القرن الماضي، أميركا بهدف دراسة الهندسة عموماً، ولا سيما بعد حصوله على البكالوريا ـ القسم الثاني في فرع الرياضيات، قائلاً: "بتذكر إنو رحت على أميركا لأدرس هندسة، لأنو كنت عامل رياضيات هون، أخذت بكالوريوس في الهندسة المدنية، وتوظفت في شركة متخصصة في الأبنية والإنشاءات، وذهبت للعمل معهم في السعودية، وكان المشروع يتضمن إنشاء وحدات سكنية للأطباء والممرضين. وبعدما عملت هناك نحو سبعة أشهر، تبين لي أن العمل في مجال البناء ليس ما أطمح إليه. لذلك، قررت العودة إلى الولايات المتحدة والالتحاق ببرنامج الماجستير للهندسة المدنية".
لكن خلال أول فصل من الدراسة تعثرت أوضاع حيدر المادية، فلجأ إلى عميد الكلية وأخبره بظروفه، وسأله ما إذا كان يقدر أن يساعده في إيجاد عمل ليستطيع متابعة الدراسة. «وبالفعل، فقد اتصل بي بعد نحو أسبوع وأخبرني بأنه وجد لي عملاً في هذه الشركة الجيوتقنية. يومها، لم تكن الهندسة الجيوتقنية من اهتماماتي، ولم أكن أسعى إلى عمل في هذا المجال، ولكن خلال العمل في المختبر ودراسة مواد ميكانيكية التربة في الجامعة، أصبحت الصورة واضحة في ذهني، وكنت أرى التطبيق الفعلي في المختبر للنظريات التي أتعلمها في الجامعة».
وبعدما أكمل الدراسة في هذا المجال، وحصل على شهادة الماجستير، توظّف في الشركة نفسها كمهندس جيوتقني، إذ عمل في الولايات المتحدة لسنوات عدة، واستحصل على شهادة مهندس محترف من ولاية تكساس.
أما اليوم، فيملك شركة "جيوسينسز" (Geosciences ) التي تمارس كل أعمال الاستشارات الجيوتقنية، ولا سيما تصميم وتنفيذ جدران داعمة بنظام التربة المقواة. ما هي هذه التقنية؟ يشرح حيدر كيف أننا ننشئ جدراناً مساندة من دون الحاجة لاستخدام المواد التقليدية، مثل الباطون والحديد، بل نستبدل بها البلوكات ومادة البلاستيك. لكن ما ميزة ذلك؟ يجيب: "كلفة هذه التقنية أقل بنسبة 50%». يقول إنّ الهندسة الجيوتقنية ليست اختصاصاً عادياً، إذ يحتاج صاحبها إلى امتلاك رؤية وبعد نظر ومرونة وقدرة على استخدام المواد المتجانس بعضها مع بعض. ليس الاختصاص أيضاً هامشياً، بحسب حيدر، فإنّ الحصول على رخصة بناء من نقابة المهندسين يشترط تقديم تقرير جيوتقني يتضمن توصيات وتصاميم لنوعية الأساسات.
يتحمس حيدر للحديث عن طبيعة عمله الذي يبدأ بأخذ عينات من التربة الجوفية إلى العمق المحدَّد وإجراء اختبارات في الموقع وقياس مستوى المياه الجوفية. وفي المرحلة الثانية، تُنقَل العيّنات إلى المختبر وتُجرى التجارب اللازمة لتحديد خصائص التربة، ومن ثم تُقوَّم نتائج المختبر وتُحدَّد الخصائص المطلوبة.
أما التطبيق الفعلي للهندسة الجيوتقنية، فمجالاته كثيرة، بحسب حيدر، ومنها تصميم أساسات جميع أنواع الإنشاءات، ولا سيما الأبنية، الأبراج، الجسور، الجدران، خزانات المياه والمعدات ذات الارتجاج العالي، إلخ. كذلك يدخل تصميم نظام تثبيت الحفريات العميق خصوصاً من المدن لإنشاء الأبراج، ضمن هذا التخصص.
يستدرك حيدر: "لا يقتصر عملنا على دراسة خصائص التربة فحسب، بل نستطيع إيجاد الحلول للانزلاقات الترابية وتثبيت الانحدارات، ويكون هذا عادةً باستعمال نظام التربة المقوّاة، ويمكننا كذلك إجراء الدراسات والتصاميم للسدود المائية، وهذا يتطلب ــ إضافة إلى الاختبارات الجيوتقنية ــ اختبارات جيوفيزيائية لمعرفة الطبقات الجوفية وتحديد الفراغات في الصخور".
ومن المجالات التي يخوضها المهندس الجيوتقني استحداث أرض جديدة في البحر بواسطة الردم، إجراء سبر غور في قعر البحر لتصميم أساسات المنصات المتحركة والثابتة المستعملة لاستخراج النفط، إجراء دراسات تأثير الهزات الأرضية بخصائص التربة الجوفية وتأثيرها بالمنشآت القائمة، تصميم طبقات الرصف للطرق والأوتوسترادات وإنشاء قنوات تحت هذه الطبقات لتصريف المياه الجوفية، وإعداد تصاميم تقوية التربة الضعيفة أو استبدالها.
ماذا عن دراسة التخصص في لبنان؟ يقول حيدر إن التخصص ليس منتشراً في لبنان، هو على الأغلب برنامج ماستر بعد دراسة البكالوريوس في الهندسة المدنية، وهو موجود في عدد محدود من الجامعات، وبصورة خاصة في الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اليسوعية، لكن يحتاج إلى اهتمام أكبر وتخريج متخصصين لتعزيز دراسته في الجامعات اللبنانية.